للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِإِثْبَاتِ أَنَّ الْخَالِقَ وَالْمُنْبِتَ وَالرَّازِقَ هُوَ اللَّهُ، وَهُوَ مَشُوبٌ بِتَوْبِيخٍ، فَلِذَلِكَ ذَيَّلَ بِقَوْلِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ كَمَا سَيَأْتِي، أَيْ مِنْ غَرَضِ الدَّلِيلِ الْإِجْمَالِيِّ إِلَى التَّفْصِيلِ.

وَالْخِطَابُ بِ لَكُمْ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُشْركين للتعريض بِأَنَّهُمْ مَا شَكَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ.

وَذَكَرَ إِنْزَالَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ، وَلِقَطْعِ شُبْهَةِ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ الْمُنْبِتَ لِلشَّجَرِ الَّذِي فِيهِ رِزْقُنَا هُوَ الْمَاءُ، اغْتِرَارًا بِالسَّبَبِ فَبُودِرُوا بِالتَّذْكِيرِ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَسْبَابَ وَهُوَ خَالِقُ الْمُسَبَّبَاتِ بِإِزَالَةِ الْمَوَانِعِ وَالْعَوَارِضِ الْعَارِضَةِ لِتَأْثِيرِ الْأَسْبَابِ وَبِتَوْفِيرِ الْقُوَى الْحَاصِلَةِ فِي الْأَسْبَابِ، وَتَقْدِيرِ الْمَقَادِيرِ الْمُنَاسِبَةِ لِلِانْتِفَاعِ بِالْأَسْبَابِ، فَقَدْ يُنْزِلُ الْمَاءَ بِإِفْرَاطٍ فَيَجْرُفُ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ أَوْ يَقْتُلُهُمَا، وَلِذَلِكَ جَمَعَ بَين قَوْله وَأَنْزَلَ وَقَوله فَأَنْبَتْنا تَنْبِيهًا

عَلَى إِزَالَةِ الشُّبْهَةِ.

وَنُونُ الْجمع فِي فَأَنْبَتْنا الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْحُضُورِ. وَمِنْ لَطَائِفِهِ هُنَا التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ إِسْنَادُ الْإِنْبَاتِ إِلَيْهِ لِئَلَّا يَنْصَرِفَ ضَمِيرُ الْغَائِبِ إِلَى الْمَاءِ لِأَنَّ التَّذْكِيرَ بِالْمُنْبِتِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي خَلَقَ الْأَسْبَابَ أَلْيَقُ بِمَقَامِ التَّوْبِيخِ عَلَى عَدَمِ رِعَايَتِهِمْ نِعَمَهُ.

وَالْإِنْبَاتُ: تَكْوِينُ النَّبَاتِ.

وَالْحَدَائِقُ: جَمْعُ حَدِيقَةٍ وَهِيَ الْبُسْتَانُ وَالْجَنَّةُ الَّتِي فِيهَا نَخْلٌ وَعِنَبٌ. سُمِّيَتْ حَدِيقَةً لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحْدِقُونَ بِهَا حَائِطًا يَمْنَعُ الدَّاخِلَ إِلَيْهَا صَوْنًا لِلْعِنَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالنَّخْلِ الَّذِي يَعْسُرُ اجْتِنَاءُ ثَمَرِهِ لِارْتِفَاعِ شَجَرِهِ فَهِيَ بِمَعْنَى: مُحْدَقٌ بِهَا. وَلَا تُطْلَقُ الْحَدِيقَةُ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ.

وَالْبَهْجَةُ: حُسْنُ الْمَنْظَرِ لِأَنَّ النَّاظِرَ يَبْتَهِجُ بِهِ.

وَمَعْنَى مَا كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها لَيْسَ فِي مُلْكِكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَ تِلْكَ الْحَدَائِقِ، فَاللَّامُ فِي لَكُمْ لِلْمِلْكِ وأَنْ تُنْبِتُوا اسْمُ كانَ ولَكُمْ خَبَرُهَا. وَقَدَّمَ الْخَبَرَ عَلَى الِاسْمِ لِلِاهْتِمَامِ بِنَفْيِ مِلْكِ ذَلِكَ.

وَجُمْلَةُ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ اسْتِئْنَافٌ هُوَ كَالنَّتِيجَةِ لِلْجُمْلَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّ إِثْبَاتَ الْخَلْقِ