للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْبَأْسُ: الْقُوَّةُ عَلَى الْعَدْوِ وَالْمُعَانِدِ، فَهُوَ الْقُوَّةُ عَلَى الضُّرِّ.

قالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ تَفَطَّنُ فِرْعَوْنُ إِلَى أَنَّهُ الْمُعَرَّضُ بِهِ فِي خِطَابِ الرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ قَوْمَهُ فَقَاطَعَهُ كَلَامَهُ وَبَيَّنَ سَبَبَ عَزْمِهِ عَلَى قَتْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّهُ لَا يَرَى نَفْعًا إِلَّا فِي قَتْلِ مُوسَى وَلَا يَسْتَصْوِبُ غَيْرَ ذَلِكَ وَيَرَى ذَلِكَ هُوَ سَبِيلُ الرَّشَادِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ لَا يَتْرُكَ لِنَصِيحَةِ مُؤْمِنِهِمْ مَدْخَلًا إِلَى نُفُوسٍ مَلَئِهِ خِيفَةَ أَنْ يَتَأَثَّرُوا بِنُصْحِهِ فَلَا يُسَاعِدُوا فِرْعَوْنَ عَلَى قَتْلِ مُوسَى. وَلِكَوْنِ كَلَامِ فِرْعَوْنَ صَدَرَ مَصْدَرَ الْمُقَاطَعَةِ لِكَلَامِ الْمُؤْمِنِ جَاءَ فِعْلُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ مَفْصُولًا غَيْرَ مَعْطُوفٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ حِكَايَةِ الْمُقَاوَلَاتِ وَالْمُحَاوَرَةِ.

وَمَعْنَى: مَا أُرِيكُمْ: مَا أَجْعَلُكُمْ رَائِينَ إِلَّا مَا أَرَاهُ لِنَفْسِي، أَيْ مَا أُشِيرُ عَلَيْكُمْ بِأَنْ تَعْتَقِدُوا إِلَّا مَا أَعْتَقِدُهُ، فَالرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةٌ، أَيْ لَا أُشِيرُ إِلَّا بِمَا هُوَ مُعْتَقَدِي.

وَالسَّبِيلُ: مُسْتَعَارٌ لِلْعَمَلِ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى الرَّشَادِ قَرِينَةٌ، أَيْ مَا أَهْدِيكُمْ وَأُشِيرُ عَلَيْكُمْ إِلَّا بِعَمَلٍ فِيهِ رَشَادٌ. وَكَأَنَّهُ يُعَرِّضُ بِأَنَّ كَلَامَ مُؤْمِنِهِمْ سَفَاهَةُ رَأْيٍ. وَالْمَعْنَى الْحَاصِلُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ الْمَعْنَى الْحَاصِلِ مِنَ الْجُمْلَةِ الْأُولَى كَمَا هُوَ بَيِّنٌ وَكَمَا هُوَ مُقْتَضى الْعَطف.

[٣٠- ٣١]

[سُورَة غَافِر (٤٠) : الْآيَات ٣٠ إِلَى ٣١]

وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١)

لَمَّا كَانَ هَذَا تَكْمِلَةٌ لِكَلَامِ الَّذِي آمَنَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعْرِيجٌ عَلَى مُحَاوَرَةِ فِرْعَوْنَ عَلَى قَوْلِهِ: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرى [غَافِر: ٢٩] إِلَخْ وَكَانَ الَّذِي آمَنَ قَدْ جَعَلَ كَلَامَ فِرْعَوْنَ فِي الْبَيْنِ