وَاسْتَرْسَلَ يُكْمِلُ مَقَالَتَهُ عَطَفَ فِعْلَ قَوْلِهِ بِالْوَاوِ لِيَتَّصِلَ كَلَامُهُ بِالْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ مُرَاجَعَةَ فِرْعَوْنَ وَلَكِنَّهُ قَصَدَ إِكْمَالَ خِطَابِهِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالَّذِي آمَنَ لِأَنَّهُ قَدْ عُرِفَ بِمَضْمُونِ الصِّلَةِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ. وَإِعَادَتُهُ نِدَاءَ قَوْمِهِ تَأْكِيدٌ لِمَا قَصَدَهُ مِنَ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ.
وَجُعِلَ الْخَوْفُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يَتَعَدَّى إِلَى الْمَخُوفِ مِنْهُ بِنَفْسِهِ وَإِلَى الْمَخُوفِ عَلَيْهِ بِحَرْفِ (عَلَى) قَالَ لَبِيدٌ يَرْثِي أَخَاهُ أَرْبَدَ:
أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الْحُتُوفَ وَلَا ... أَخْشَى عَلَيْهِ الرِّيَاحَ وَالْمَطَرَا
ويَوْمِ الْأَحْزابِ مُرَادٌ بِهِ، الْجِنْسُ لَا (يَوْمٌ) مُعَيَّنٌ بِقَرِينَةِ إِضَافَتِهِ إِلَى جَمْعٍ أَزْمَانُهُمْ مُتَبَاعِدَةٌ. فَالتَّقْدِيرُ: مِثْلَ أَيَّامِ الْأَحْزَابِ، فَإِفْرَادُ يَوْمِ لِلْإِيجَازِ، مِثْلَ بَطْنٍ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ وَهُوَ مِنْ شَوَاهِدِ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْفَاعِلِ:
كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمْ تَعِفُّوا ... فَإِنَّ زَمَانَكُمْ زَمَنٌ خَمِيصٌ
وَالْمُرَادُ بِأَيَّامِ الْأَحْزَابِ أَيَّامَ إِهْلَاكِهِمْ وَالْعَرَبُ يُطْلِقُونَ الْيَوْمَ عَلَى يَوْمِ الْغَالِبِ وَيَوْمِ الْمَغْلُوبِ. وَالْأَحْزَابُ الْأُمَمُ لِأَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ حِزْبٌ تَجْمَعُهُمْ أَحْوَالٌ وَاحِدَةٌ وَتَنَاصُرٌ بَيْنَهُمْ فَلِذَلِكَ تُسَمَّى الْأُمَّةُ حِزْبًا، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ فِي سُورَة الْمُؤمنِينَ [٥٣] .
وَالدَّأْبُ: الْعَادَةُ وَالْعَمَلُ الَّذِي يَدْأَبُ عَلَيْهِ عَامِلُهُ، أَيْ يُلَازِمُهُ وَيُكَرِّرُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ فِي أَوَّلِ آلِ عِمْرَانَ [١١] .
وانتصب مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ عَلَى عَطْفِ الْبَيَانِ مِنْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ وَلَمَّا كَانَ بَيَانًا لَهُ كَانَ مَا يُضَافَانِ إِلَيْهِ مُتَّحِدًا لَا مَحَالَةَ فَصَارَ الْأَحْزَاب و (الدأب) فِي مَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ مُتَحَدٍّ فِيهِمَا، فَالتَّقْدِيرُ: مِثْلَ يَوْمِ جَزَاءِ الْأَحْزَابِ. مِثْلَ يَوْمِ جَزَاءِ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ، أَيْ جَزَاءِ عَمَلِهِمْ. وَدَأْبُهُمُ الَّذِي اشْتَرَكُوا فِيهِ هُوَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute