للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِأَعْمَالِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ مِثْلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ.

فَالْأَوَّلُونَ بُغْضُهُمْ قَلْبِيٌّ، وَالْآخَرُونَ بُغْضُهُمْ بِالْقَلْبِ وَالْعَمَل السيّء. وَيُطْلَقُ الْمُقْتَصِدُ عَلَى الْمُعْتَدِلِ فِي الْأَمْرِ، لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقَصْدِ، وَهُوَ الِاعْتِدَالُ وَعَدَمُ الْإِفْرَاطِ. وَالْمَعْنَى مُقْتَصِدَةٌ فِي الْمُخَالَفَةِ وَالتَّنَكُّرِ لِلْمُسْلِمِينَ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً [الْمَائِدَة: ٦٨] .

وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ساءَ فِعْلًا بِمَعْنَى كَانَ سَيِّئًا، وَمَا يَعْمَلُونَ فَاعِلُهُ، كَمَا قَدَّرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَجَعَلَهُ فِي «الْكَشَّافِ» بِمَعْنَى بِئْسَ، فَقَدَّرَ قَوْلًا مَحْذُوفًا لِيَصِحَّ الْإِخْبَارُ بِهِ عَنْ قَوْلِهِ: وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ، بِنَاءً عَلَى الْتِزَامِ عَدَمِ صِحَّةِ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْإِخْبَارِ، وَهُوَ مَحَلُّ جِدَالٍ، وَيَكُونُ مَا يَعْمَلُونَ مَخْصُوصًا بِالذَّمِّ، وَالَّذِي دَعَاهُ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى حَمْلَهُ عَلَى مَعْنَى إِنْشَاءِ الذَّمِّ أَبْلَغَ فِي ذَمِّهِمْ، أَيْ يَقُولُ فِيهِمْ ذَلِكَ كل قَائِل.

[٦٧]

[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٦٧]

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٦٧)

إِنَّ مَوْضِعَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مُعْضِلٌ، فَإِنَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ مِنْ آخِرِ السُّورِ نُزُولًا إِنْ لَمْ تَكُنْ آخِرَهَا نُزُولًا، وَقَدْ بَلَّغَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّرِيعَةَ وَجَمِيعَ مَا أنزل إِلَيْهِ إِلَى يَوْمَ نُزُولِهَا، فَلَوْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَوَّلِ مُدَّةِ الْبَعْثَةِ لَقُلْنَا هِيَ تَثْبِيتٌ لِلرَّسُولِ وَتَخْفِيفٌ لِأَعْبَاءِ الْوَحْيِ عَنْهُ، كَمَا أُنْزِلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجرات: ٩٤، ٩٥] وَقَوْلُهُ: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا- إِلَى قَوْلِهِ- وَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ [المزمل: ٥- ١٠] الْآيَاتِ، فَأَمَّا وَهَذِهِ السُّورَةُ مِنْ آخِرِ السُّوَرِ نُزُولًا وَقَدْ أَدَّى رَسُولُ اللَّهِ الرِّسَالَةَ وَأَكْمَلَ الدِّينَ فَلَيْسَ فِي الْحَالِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يُؤْمَرَ بِتَبْلِيغٍ، فَنَحْنُ إِذَنْ بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ: