للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَعْنَى لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ تَعْمِيمُ جِهَاتِ الرِّزْقِ، أَيْ لَرُزِقُوا مِنْ كُلِّ سَبِيلٍ، فَأَكَلُوا بِمَعْنَى رُزِقُوا، كَقَوْلِهِ: وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا [الْفجْر: ١٩] . وَقِيلَ:

الْمُرَادُ بِالْمَأْكُولِ مِنْ فَوْقُ ثِمَارُ الشَّجَرِ، وَمِنْ تَحْتُ الْحُبُوبُ وَالْمَقَاثِي، فَيَكُونُ الْأَكْلُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، أَيْ لَاسْتَمَرَّ الْخِصْبُ فِيهِمْ.

وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ

بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ

فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٩٦] .

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ إِلَخْ مِثْلُ اللَّامِ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا.

مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ مَا يَعْمَلُونَ.

إِنْصَافٌ لِفَرِيقٍ مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ جَرَتْ تِلْكَ الْمَذَامُّ على أَكْثَرهم.

والمقصد يُطْلَقُ عَلَى الْمُطِيعِ، أَيْ غَيْرُ مُسْرِفٍ بِارْتِكَابِ الذُّنُوبِ، وَاقِفٌ عِنْدَ حُدُودِ كِتَابِهِمْ، لِأَنَّهُ يَقْتَصِدُ فِي سَرْفِ نَفْسِهِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ ساءَ مَا يَعْمَلُونَ. وَقَدْ عُلِمَ مِنِ اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ التَّعْبِيرُ بِالْإِسْرَافِ عَنِ الِاسْتِرْسَالِ فِي الذُّنُوبِ، قَالَ تَعَالَى: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: ٥٣] ، وَلِذَلِكَ يُقَابَلُ بِالِاقْتِصَادِ، أَيِ الْحَذَرِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَاخْتِيرَ الْمُقْتَصِدُ لِأَنَّ الْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كَانُوا غَيْرَ بَالِغِينَ غَايَةَ الطَّاعَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر: ٣٢] .

فَالْمُرَادُ هُنَا تَقْسِيمُ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ بَعْدَ الْإِسْلَام قِسْمَانِ سيّء الْعَمَلِ، وَهُوَ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ وَسَابِقٌ فِي الْخَيْرَاتِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَمُخَيْرِيقٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمُقْتَصِدِ غَيْرُ الْمُفْرِطِينَ فِي بُغْضِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا آمَنُوا مَعَهُمْ وَلَا آذَوْهُمْ، وَضِدُّهُمْ هُمُ الْمُسِيئُونَ