قَوْلُ الْأَكْثَرِ: جَاءَ مِنْ لُغَةٍ غَيْرِ عَرَبِيَّةٍ، وَلِذَلِكَ لَا حَاجَةَ إِلَى الْبَحْثِ عَنِ اشْتِقَاقِهِ، وَمَنْ جَعَلَهُ عَرَبِيًّا زَعَمَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَهْمِ وَهُوَ الْكَرَاهِيَةُ فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ وَزْنَهُ فَعَنَّلْ بِزِيَادَةِ نُونَيْنِ أَصْلُهُ فَعْنَلْ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ ضُعِفَّتْ وَقِيلَ وَزْنُهُ فَعَلَّلْ بِتَكْرِيرِ لَامِهِ الْأُولَى وَهِيَ النُّونُ إِلْحَاقًا لَهُ بِالْخُمَاسِيِّ وَمَنْ قَالَ: أَصْلُهَا بِالْفَارِسِيَّةِ كَهْنَامُ فَعُرِّبَتْ جَهَنَّمَ.
وَقِيلَ أَصْلُهَا عِبْرَانِيَّةٌ كِهِنَامُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْهَاءِ فَعُرِّبَتْ وَأَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّ وَزْنَ فَعَنَّلْ لَا وُجُودَ لَهُ لَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِهِ لِوُجُودِ دَوْنَكَ اسْمُ وَادٍ بِالْعَالِيَةِ وَحَفَنْكَى اسْمٌ لِلضَّعِيفِ وَهُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَنُونٍ سَاكِنَةٍ وَكَافٍ وَأَلِفٍ وَهُمَا نَادِرَانِ، فَيَكُونُ جَهَنَّمُ نَادِرًا، وَأَمَّا قَوْلُ الْعَرَبِ رَكِيَّةُ جَهَنَّم أَي بعيدَة الْقَعْرِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ تَشْبِيهِ الرَّكِيَّةِ بِجَهَنَّمَ، لِأَنَّهُمْ يَصِفُونَ جَهَنَّمَ أَنَّهَا كَالْبِئْرِ الْعَمِيقَةِ الْمُمْتَلِئَةِ نَارًا قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ أَوْ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصّلت يرثي زيدا بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَكَانَا مَعًا مِمَّنْ تَرَكَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ:
رَشَدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا ... تَجَنَّبْتَ تَنُّورًا مِنَ النَّارِ مُظْلِمًا
وَقَدْ جَاءَ وَصْفُ جَهَنَّمَ فِي الْحَدِيثِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَسَمَّاهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ نَارًا وَجَعَلَ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ [الْبَقَرَة: ٢٤] .
وَقَوْلُهُ: وَلَبِئْسَ الْمِهادُ أَيْ جَهَنَّمُ، وَالْمِهَادُ مَا يُمَهَّدُ أَيْ يُهَيَّأُ لِمَنْ يَنَامُ، وَإِنَّمَا سَمَّى جَهَنَّمَ مِهَادًا تَهَكُّمًا، لِأَنَّ الْعُصَاةَ يُلْقَوْنَ فِيهَا فَتُصَادِفُ جنُوبهم وظهورهم.
[٢٠٧]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٠٧]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧)
هَذَا قَسِيمُ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ [الْبَقَرَة: ٢٠٤] وَذِكْرُهُ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِطْرَادِ اسْتِيعَابًا لِقِسْمَيِ النَّاسِ، فَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي تَمَحَّضَ فِعْلُهُ لِلْخَيْرِ حَتَّى بَلَغَ غَايَةَ ذَلِكَ وَهُوَ تَعْرِيضُ نَفْسِهِ الَّتِي هِيَ أَنْفَسُ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ لِلْهَلَاكِ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ مَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى وَإِنَّمَا رِضَا اللَّهِ تَعَالَى بِفِعْلِ النَّاسِ لِلْخَيْرِ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute