وَقَوْلُهُ: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ إِي وَإِذَا وَعَظَهُ وَاعِظٌ بِمَا يَقْتَضِي
تَذْكِيرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى غَضِبَ لِذَلِكَ، وَالْأَخْذُ أَصْلُهُ تَنَاوُلُ الشَّيْءِ بِالْيَدِ، وَاسْتُعْمِلَ مَجَازًا مَشْهُورًا فِي الِاسْتِيلَاءِ قَالَ تَعَالَى: وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ [التَّوْبَة: ٥] وَفِي الْقَهْر نَحْو فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ [الْأَنْعَام: ٤٢] . وَفِي التَّلَقِّي مِثْلُ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ [آل عمرَان: ٨١] وَمِنْهُ أُخِذَ فُلَانٌ بِكَلَامٍ فُلَانٍ، وَفِي الِاحْتِوَاءِ وَالْإِحَاطَةِ يُقَالُ أَخَذَتْهُ الْحُمَّى وَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ هُنَا أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ أَيِ احْتَوَتْ عَلَيْهِ عَزَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَالْعِزَّةُ صِفَةٌ يَرَى صَاحِبُهَا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَا يُعَارَضُ فِي كَلَامِهِ لِأَجْلِ مَكَانَتِهِ فِي قَوْمِهِ وَاعْتِزَازِهِ بِقُوَّتِهِمْ قَالَ السَّمَوْأَلُ:
وَنُنْكِرُ إِنْ شِئْنَا عَلَى النَّاسِ قَوْلَهُمْ ... وَلَا يُنْكِرُونَ الْقَوْلَ حِينَ نَقُولُ
وَمِنْهُ الْعِزَّةُ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ وَالْغَلَبَةِ وَإِنَّمَا تَكُونُ غَالِبًا فِي الْعَرَبِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْقَبِيلَةِ، وَقَدْ تُغْنِي الشَّجَاعَةُ عَنِ الْكَثْرَةِ وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ، وَقَالُوا: لَنْ نُغْلَبَ مِنْ قِلَّةٍ وَقَالَ السَّمَوْأَلُ
وَمَا ضَرَّنَا أَنَّا قَلِيلٌ وَجَارُنَا ... عَزِيزٌ وَجَارُ الْأَكْثَرِينَ ذَلِيلُ
وَمِنْهَا جَاءَ الْوَصْفُ بِالْعَزِيزِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الْبَقَرَة: ٢٠٩] .
فَ (الْ) فِي (الْعِزَّةِ) لِلْعَهْدِ أَيِ الْعِزَّةُ الْمَعْرُوفَةُ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي تَمْنَعُ صَاحِبَهَا مِنْ قَبُولِ اللَّوْمِ أَوِ التَّغْيِيرِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْعِزَّةَ تَقْتَضِي مَعْنَى الْمَنَعَةِ فَأَخْذُ الْعِزَّةِ لَهُ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ إِصْغَائِهِ لِنُصْحِ النَّاصِحِينَ.
وَقَوْلُهُ: بِالْإِثْمِ الْبَاءُ فِيهِ لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ الْمُلَابِسَةُ لِلْإِثْمِ وَالظُّلم وَهُوَ احتراس لِأَنَّ مِنِ الْعِزَّةِ مَا هُوَ مَحْمُودٌ قَالَ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [الْمُنَافِقين: ٨] أَيْ فَمَنَعَتْهُ مِنْ قَبُولِ الْمَوْعِظَةِ وَأَبْقَتْهُ حَلِيفَ الْإِثْمِ الَّذِي اعْتَادَهُ لَا يَرْعَوِي عَنْهُ وَهُمَا قَرِينَانِ.
وَقَوْلُهُ: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ تَفْرِيعٌ عَلَى هَاتِهِ الْحَالَةِ، وَأَصْلُ الْحَسْبِ هُوَ الْكَافِي كَمَا سَيَجِيءُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فِي آلِ عِمْرَانَ [١٧٣] .
وَلَمَّا كَانَ كَافِي الشَّيْءِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِهِ وَمِمَّا يُرْضِيهِ كَمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ:
عَلَى قَدْرِ أَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِي الْعَزَائِمُ
أَطْلَقَ الْحَسَبَ عَلَى الْجَزَاءِ كَمَا هُنَا.
وَجَهَنَّمُ عَلَمٌ عَلَى دَارِ الْعُقَابِ الْمُوقَدَةِ نَارًا، وَهُوَ اسْمٌ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ قَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ اعْتَبَرَتْهُ كَأَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِلْعِلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ وَهُوَ