للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَوْقِعُ مَادَّةِ الذِّكْرِ هُنَا مُوَقِعٌ شَرِيفٌ لِتَحَمُّلِهَا هَذِهِ الْمَحَامِلَ مَا لَا يَتَحَمَّلُهُ غَيْرُهَا إِلَّا بِإِطْنَابٍ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِن الله تَعَالَى أَمَرَ نَبِيئَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَبْلِيغِ مَا أُنْزَلَ إِلَيْهِ فَكَانَ إِذَا قَرَأَ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ مَا اتَّفَقَ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ، وَكَانَ عَلَى مَنْ تَبِعَهُ أَنْ يُبَلِّغَهُ إِلَى غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْكُرَهُ لِجَمِيعِ الصَّحَابَةِ.

وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْحِكْمَةِ فِي الْقُرْآنِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَبَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا اخْتِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي كَسْرِ بَاءِ (بِيُوتٍ) أَوْ ضَمِّهَا.

وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ وَتَذْيِيلٌ لِلْجُمَلِ السَّابِقَةِ. وَالتَّعْلِيلُ صَالِحٌ لِمَحَامِلِ الْأَمْرِ كُلِّهَا لِأَنَّ اللُّطْفَ يَقْتَضِي إِسْدَاءَ النَّفْعِ بِكَيْفِيَّةٍ لَا تَشُقُّ عَلَى الْمُسْدَى إِلَيْهِ.

وَفِيمَا وُجِّهَ إِلَى نسَاء النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَا هُوَ صَلَاحٌ لَهُنَّ وَإِجْرَاءٌ لِلْخَيْرِ بِوَاسِطَتِهِنَّ، وَكَذَلِكَ فِي تَيْسِيرِهِ إِيَّاهُنَّ لِمُعَاشَرَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَجَعْلِهِنَّ أَهْلَ بُيُوتِهِ، وَفِي إِعْدَادِهِنَّ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَفَهْمِهِ، وَمُشَاهَدَةِ الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ، كُلُّ ذَلِكَ لُطْفٌ لَهُنَّ هُوَ الْبَاعِث على مَا وَجَّهَهُ إِلَيْهِنَّ مِنَ الْخِطَابِ لِيَتَلَقَّيْنَ الْخَبَرَ وَيُبَلِّغْنَهُ، وَلِأَنَّ الْخَبِيرَ، أَيِ الْعَلِيمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُذْهِبَ عَنْهُنَّ الرِّجْسَ وَيُطَهِّرُهُنَّ حَصَلَ مُرَادُهُ تَامًّا لَا خَلَلَ وَلَا غَفْلَةَ.

فَمَعْنَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِاللُّطْفِ وَالْعِلْمِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ كانَ فَيَشْمَلُ عُمُومُ لُطْفِهِ وَعِلْمِهِ لُطْفَهُ بِهِنَّ وَعِلْمَهُ بِمَا فِيهِ نفعهن.

[٣٥]

[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : آيَة ٣٥]

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٣٥)

يَجُوزُ أَنَّ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ [الْأَحْزَاب: ٣١] بَعْدَ قَوْلِهِ: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ

[الْأَحْزَاب: ٣٢]