يُثِيرُ فِي نُفُوسِ الْمُسْلِمَاتِ أَنْ يَسْأَلْنَ: أَهُنَّ مَأْجُورَاتٌ عَلَى مَا يَعْمَلْنَ من الْحَسَنَات، وأ هنّ مَأْمُورَاتٌ بِمِثْلِ مَا أُمِرَتْ بِهِ أَزوَاج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمْ تِلْكَ خَصَائِص لِنسَاء النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا هُوَ جَوَابٌ لِهَذَا السُّؤَالِ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِيمَا إِذَا ذَكَرَ مَأْمُورَاتٍ يُعْقِبُهَا بِالتَّذْكِيرِ بِحَالِ أَمْثَالِهَا أَوْ بِحَالِ أَضْدَادِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا وَرَدَ بِمُنَاسَبَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ فَضَائِل أَزوَاج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
روى ابْنُ جَرِيرٍ وَالْوَاحِدِيُّ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ نِسَاءً دَخَلْنَ على أَزوَاج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ:
قَدْ ذَكَرَكُنَّ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَذْكُرْنَا بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ فِينَا خَيْرٌ لَذَكَرَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
وروى النَّسَائِيّ وَأحمد: أَن أم سَلمَة قَالَت للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لنا لَا نذْكر فِي الْقُرْآن كَمَا يذكر الرِّجَال فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ: «أَنَّ أُمَّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّة أَتَت النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: مَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: «قَالَ مُقَاتِلٌ: بَلَغَنِي أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ لَمَّا رَجَعَتْ مِنَ الْحَبَشَةِ مَعَ زَوْجِهَا جَعْفَرَ بْنِ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَتْ على نسَاء النبيء فَقَالَتْ: هَلْ نَزَلَ فِينَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ؟
قِيلَ: لَا، فَأَتَت النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النِّسَاءَ لَفِي خَيْبَةٍ وَخَسَارٍ. قَالَ: وَمِمَّ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: لِأَنَّهُنَّ لَا يُذْكَرْنَ بِالْخَيرِ كَمَا يذكر الرِّجَالُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ» .
فَالْمَقْصُودُ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ النِّسَاءُ، وَأَمَّا ذِكْرُ الرِّجَالِ فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الصِّنْفَيْنِ فِي هَذِهِ الشَّرَائِعِ سَوَاءٌ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ لَا كَمَا كَانَ مُعْظَمُ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ خَاصًّا بِالرِّجَالِ إِلَّا الْأَحْكَامَ الَّتِي لَا تُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ، فَشَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ بِعَكْسِ ذَلِكَ الْأَصْلُ فِي شَرَائِعِهَا أَنْ تَعُمَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ إِلَّا مَا نُصَّ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِأَحَدِ الصِّنْفَيْنِ، وَلَعَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا تَقَرَّرَ أَصْلُ التَّسْوِيَةِ فَأَغْنَى عَنِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فِي مُعْظَمِ أَقْوَالِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute