للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْانْتِقَالُ هُنَا إِلَى الْاسْتِدْلَالِ بِفُرُوعِ الْمَخْلُوقَاتِ بَعْدَ الْاسْتِدْلَالِ بِأُصُولِهَا، وَمِنَ الْاسْتِدْلَالِ بِفُرُوعِ أَعْرَاضِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ أَصْلِهَا، فَمِنَ الْاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ، إِلَى الْاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ الْإِنْسَانِ وَمَدَارِكِهِ، وَقَدِ أُتْبِعَ الْأَمْرُ بِالْقَوْلِ بِخَمْسَةٍ مِثْلِهِ بِطَرِيقَةِ التَّكْرِيرِ بِدُونِ عَاطِفٍ اهْتِمَامًا بِمَا بَعْدَ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ مَقَالَةٍ يُبَلِّغُهَا إِلَيْهِمُ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ، الَخْ.

وَالضَّمِيرُ هُوَ إِلَى الرَّحْمنِ مِنْ قَوْلِهِ: مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ [الْملك: ٢٠] .

وَالْإِنْشَاءُ: الْإِيجَادُ.

وَإِفْرَادُ السَّمْعَ لِأَنَّ أَصْلَهُ مُصْدَرٌ، أَيْ جعل لكم حاسة السَّمْعِ، وَأَمَّا الْأَبْصارَ فَهُوَ جَمْعُ الْبَصَرِ بِمَعْنَى الْعَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٧] والْأَفْئِدَةَ الْقُلُوبُ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْعُقُولُ، وَهُوَ إِطْلَاقٌ شَائِعٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ.

وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ وَالْمُسْنَدِ فِي قَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ إِلَى آخِرِهِ قَصْرُ إِفْرَادٍ بِتَنْزِيلِ الْمُخَاطَبِينَ لِشِرْكِهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْأَصْنَامَ شَارَكَتِ اللَّهَ فِي الْإِنْشَاءِ وَإِعْطَاءِ الْإِحْسَاسِ وَالْإِدْرَاكِ.

وقَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ، أَيْ أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ النِّعَمِ فِي

حَالِ إِهْمَالِكُمْ شُكْرَهَا.

وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ فِي مَوْضِعِ فَاعِلِ قَلِيلًا لِاعْتِمَادِ قَلِيلًا عَلَى صَاحِبِ حَالٍ. وقَلِيلًا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ.

وَقَدِ اسْتُعْمِلَ قَلِيلًا فِي مَعْنَى النَّفْيِ وَالْعَدَمِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقٌ مِنْ ضُرُوبِ الْكِنَايَةِ وَالْاقْتِصَادِ فِي الْحُكْمِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّمْلِيحِ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ فِي [الْبَقَرَةِ: ٨٨] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١٥٥] ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ:

هَذِهِ أَرْضٌ قَلما تنْبت.

[٢٤]

[سُورَة الْملك (٦٧) : آيَة ٢٤]

قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ