للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْفَحْشَاءُ اسْمٌ لِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ شَدِيدِ السُّوءِ وَاسْتِحْقَاقِ الذَّمِّ عُرْفًا أَوْ شَرْعًا. مُشْتَقٌّ مِنَ الْفُحْشِ- بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ- تَجَاوُزِ الْحَدِّ. وَخَصَّهُ الِاسْتِعْمَالُ بِالتَّجَاوُزِ فِي الْقَبِيحِ، أَيْ يَأْمُرُكُمْ بِفِعْلٍ قَبِيحٍ. وَهَذَا ارْتِقَاءٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الْخَوَاطِرِ الشَّيْطَانِيَّةِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى الْأَفْعَالِ الذَّمِيمَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْفَحْشَاءِ الْبُخْلَ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَحْشَاءِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْبُخْلِ وَإِنْ كَانَ الْبَخِيلُ يُسَمَّى فَاحِشًا. وَإِطْلَاقُ الْأَمْرِ عَلَى وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ وَتَأْثِيرِ قُوَّتِهِ فِي النُّفُوسِ مَجَازٌ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ. وَالتَّعْرِيفُ فِي الْفَحْشَاءِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ.

وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ.

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةٍ الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ لِإِظْهَارِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَسَاوِسُ الشَّيْطَانِ وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ أَوَامِرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْوَعْدُ فِيهِ حَقِيقَةٌ لَا مَحَالَةَ. وَالْقَوْلُ فِي تَقْدِيمِ اسْمِ الْجَلَالَةِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْلِهِ: وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ عَلَى طَرِيقَةِ الْقَوْلِ فِي تَقْدِيمِ اسْمِ الشَّيْطَانِ فِي قَوْلِهِ: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ.

وَمَعْنَى «وَاسِعٌ» أَنَّهُ وَاسِعُ الْفَضْلِ، وَالْوَصْفُ بِالْوَاسِعِ مُشْتَقٌّ مِنْ وَسِعَ الْمُتَعَدِّي- إِذَا عَمَّ بِالْعَطَاءِ وَنَحْوِهِ- قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً [غَافِر: ٧] ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ: «لَا يَسَعُنِي أَنْ أَفْعَلَ كَذَا» ، أَيْ لَا أَجِدُ فِيهِ سَعَةً،

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي وَصْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ وَسِعَ النَّاسَ بِشْرُهُ وَخُلُقُهُ»

. فَالْمَعْنى هُنَا أنّه وَسِعَ النَّاسَ وَالْعَالمِينَ بعطائه.

[٢٦٩]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٦٩]

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩)

هَذِهِ الْجُمْلَةُ اعْتِرَاضٌ وَتَذْيِيلٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ آيَاتُ الْإِنْفَاقِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْآدَابِ وَتَلْقِينِ الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ، مِمَّا يُكْسِبُ الْعَامِلِينَ بِهِ رَجَاحَةَ الْعَقْلِ وَاسْتِقَامَةَ الْعَمَلِ.