للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

جُمْلَةٌ عُطِفَتْ عَلَى جُمْلَةِ يَكَادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ لِإِفَادَتِهَا تَقْرِيرَ مَعْنَى عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَلَالِهِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِمَا بَقَوْلِهِ: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [الشورى: ٤] .

مَرْتَبَةُ وَاجِبِ الْوُجُودِ سُبْحَانَهُ وَهُوَ أَهْلُ التَّنْزِيهِ وَالْحَمْدِ وَمَرْتَبَةُ الرَّوْحَانِيَّاتِ وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ وَهِيَ وَاسِطَةُ الْمُتَصَرِّفِ الْقَدِيرِ وَمُفِيضِ الْخَيْرِ فِي تَنْفِيذِ أَمْرِهِ مِنْ تَكْوِينٍ وَهُدًى وَإِفَاضَةِ خَيْرٍ عَلَى النَّاسِ، فَهِيَ حِينُ تَتَلَقَّى مِنَ اللَّهِ أَوَامِرَهُ تُسَبِّحُهُ وَتَحْمَدُهُ، وَحِينَ تَفِيضُ خَيْرَاتُ رَبِّهَا عَلَى عِبَادِهِ تَسْتَغْفِرُ لِلَّذِينِ يَتَقَبَّلُونَهَا تَقَبُّلَ الْعَبِيدِ الْمُؤْمِنِينَ بِرَبِّهِمْ، وَتِلْكَ إِشَارَةٌ إِلَى حُصُولِ ثَمَرَاتِ إِبْلَاغِهَا، وَذَلِكَ بِتَأْثِيرِهَا فِي نَظْمِ أَحْوَالِ الْعَالَمِ الْإِنْسَانِيِّ. وَمَرْتَبَةُ الْبَشَرِيَّةِ الْمُفَضَّلَةِ بِالْعَقْلِ إِذْ أَكْمَلُهُ الْإِيمَانُ وَهِيَ الْمُرَادُ بِ (مَنْ فِي الأَرْض) .

[٦]

[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ٦]

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦)

جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [الشورى: ٤] بَعْدَ أَنْ أُفِيدَ مَا هُوَ كَالْحُجَّةِ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ يكَاد السَّمَاوَات [الشورى: ٤، ٥] الْآيَتَيْنِ. فَالْمَعْنَى: قَدْ نَهَضَتْ حُجَّةُ انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ وَالْعُلُوِّ وَالْعَظَمَةِ وَعَلِمَهَا الْمُؤْمِنُونَ فَاسْتَغْفَرَتْ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ. وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يُبْصِرُوا تِلْكَ الْحُجَّةَ وَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَدِلَّةُ فَلَا تَهْتَمَّ بِشَأْنِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ حَسْبُهُمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ. فَهَذَا تَسْكِينٌ لحزن الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَهَذِهِ مقدّمة لما سيأمر بِهِ الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدَّعْوَةِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى [الشورى: ٧]