بِإِظْهَارِ أَن مَا أوتوه مِنَ الْكَرَامَةِ عِوَضٌ عَنْ أَعْمَالِهِمْ كَمَا آذَنَتْ بِهِ بَاءُ السَّبَبِيَّةِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ مَنْ يُسْدِي نِعْمَةً إِلَى الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ: لَا فَضْلَ لِي عَلَيْكَ وَإِنَّمَا هُوَ مَالُكَ، أَوْ نَحْو ذَلِك.
[٢٠]
[سُورَة الطّور (٥٢) : آيَة ٢٠]
مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠)
حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ كُلُوا وَاشْرَبُوا [الطّور: ١٩] ، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا حَالَ كَوْنِهِمْ مُتَّكِئِينَ، أَيْ وَهُمْ فِي حَالِ إِكْلَةِ أَهْلِ التَّرَفِ الْمَعْهُودِ فِي الدُّنْيَا، فَقَدْ كَانَ أَهْلُ الرَّفَاهِيَةِ يَأْكُلُونَ مُتَّكِئِينَ وَقَدْ وَصَفَ الْقُرْآنُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [٣١] بِقَوْلِهِ: أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً أَي لحز الطَّعَام وَالثِّمَار.
وَفِي الحَدِيث «أمّا أَنا فَلَا آكل مُتكئا»
وَكَانَ الْأَكَاسِرَةُ وَمَرَازِبَةُ الْفُرْسِ يَأْكُلُونَ مُتَّكِئِينَ وَكَذَلِكَ كَانَ أَبَاطِرَةُ الرُّومَانِ وَكَذَلِكَ شَأْنُهُمْ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، قَالَ الْأَعْشَى:
نَازَعْتُهُمْ قُضُبَ الرَّيْحَانِ مُتَّكِئًا ... وَخَمْرَةً مُزَّةً رَاوُوقُهَا خَضِلُ
والسّرر: جَمْعُ سَرِيرٍ، وَهُوَ مَا يُضْطَجَعُ عَلَيْهِ.
وَالْمَصْفُوفَةُ: الْمُتَقَابِلَةُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ مُتَّكِئِينَ مُجْتَمِعِينَ لِلتَّأَنُسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ [الصافات: ٤٤] .
وَجُمْلَةُ وَزَوَّجْناهُمْ عَطْفٌ عَلَى مُتَّكِئِينَ فَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
وَمَعْنَى زَوَّجْناهُمْ: جَعَلْنَا كُلَّ فَرْدٍ مِنْهُمْ زَوْجًا، أَيْ غَيْرَ مُفْرَدٍ، أَيْ قَرَنَّاهُمْ بِنِسَاءٍ حُورٍ عِينٍ. وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ جَعَلْنَا حُورًا عِينًا مَعَهُمْ، وَلَمْ يُعَدِّ فِعْلَ زَوَّجْناهُمْ إِلَى بِحُورٍ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: زَوَّجْناكَها [الْأَحْزَاب: ٣٧] ، لِأَنَّ (زَوَّجْنَا) فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ بِمَعْنَى: أَنْكَحْنَاهُمْ، إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ عَقْدَ النِّكَاحِ لِنُبُوِّ الْمُرَادِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى، فَالتَّزْوِيجُ هُنَا وَارِدٌ بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ الْمُفْرَدِ زَوْجًا وَلَيْسَ واردا بِمَعْنَاهُ الْمَنْقُول عَنْهُ فِي الْعُرْفِ وَالشَّرْعِ، وَلَيْسَ الْبَاءُ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ زَوَّجْناهُمْ بِتَضْمِينِهِ مَعْنَى: قَرَنًّا، وَلَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute