الثَّانِيَ. وَمَعَ كَوْنِ صَوْغِ اسْمِ التَّفْضِيلِ مِنْ غَيْرِ الثُّلَاثِيِّ لَيْسَ قِيَاسًا فَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَفِي الْقُرْآنِ.
فَالْوَجْهُ، أَنَّ أَحْصى اسْمُ تَفْضِيلٍ، وَالتَّفْضِيلُ مُنْصَرِفٌ إِلَى مَا فِي مَعْنَى الْإِحْصَاءِ مِنَ الضَّبْطِ وَالْإِصَابَةِ. وَالْمَعْنَى: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَتْقَنُ إِحْصَاءً، أَيْ عَدًّا بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُوَافِقَ لِلْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ وَيَكُونَ مَا عَدَاهُ تَقْرِيبًا وَرَجْمًا بِالْغَيْبِ. وَذَلِكَ هُوَ مَا فَصَّلَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ [الْكَهْف: ٢٢] الْآيَةَ.
فَ (أَيُّ) اسْمُ اسْتِفْهَامٍ مُبْتَدَأٌ وَهُوَ مُعَلِّقٌ لِفِعْلِ لِنَعْلَمَ عَنِ الْعَمَلِ، وَأَحْصى خَبَرٌ عَنْ (أَيُّ) وأَمَداً تَمْيِيز لاسم التَّفْصِيل تَمْيِيزٌ نِسْبَةٍ، أَيْ نِسْبَةِ التَّفْضِيلِ إِلَى مَوْصُوفِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا [الْكَهْف: ٣٤] . وَلَا يَرِيبُكَ أَنَّهُ لَا يَتَّضِحُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّمْيِيزُ مُحَوَّلًا عَنِ الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ تَقُولَ: أَفْضَلُ أَمَدِهِ، إِذِ التَّحْوِيلُ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ
يُقْصَدُ مِنْهُ التَّقْرِيبُ.
وَالْمَعْنَى: لِيَظْهَرَ اضْطِرَابُ النَّاسِ فِي ضَبْطِ تَوَارِيخِ الْحَوَادِث واختلال خرصهم وَتَخْمِينِهِمْ إِذَا تَصَدَّوْا لَهَا، وَيُعْلَمُ تَفْرِيطُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فِي تَحْدِيدِ الْحَوَادِثِ وَتَارِيخِهَا، وَكِلَا الْحَالَيْنِ يَمُتُّ إِلَى الآخر بصلَة.
[١٣، ١٤]
[سُورَة الْكَهْف (١٨) : الْآيَات ١٣ إِلَى ١٤]
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤)
لَمَّا اقْتَضَى قَوْلُهُ: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى [الْكَهْف: ١٢] أَنَّ فِي نَبَأِ أَهْلِ الْكَهْفِ تَخَرُّصَاتٍ وَرَجْمًا بِالْغَيْبِ أَثَارَ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ تَطَلُّعًا إِلَى مَعْرِفَةِ الصِّدْقِ فِي أَمْرِهِمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute