للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَأْكِيدُ نِسْبَتِهِمْ إِلَى الْكَذِبِ بِ (إِنَّ) وَاللَّامِ لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ.

وَقَدْ سُلِكَتْ فِي تَرْتِيبِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ طَرِيقَةُ التَّرَقِّي فَابْتُدِئَ بِالسُّؤَالِ عَنْ مَالِكِ الْأَرْضِ وَمَنْ فِيهَا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْعَوَالِمِ لِإِدْرَاكِ الْمُخَاطَبِينَ، ثُمَّ ارْتُقِيَ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِرُبُوبِيَّةِ السَّمَاوَاتِ وَالْعَرْشِ، ثُمَّ ارْتُقِيَ إِلَى مَا هُوَ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ وَهُوَ تَصَرُّفُهُ الْمُطْلَقُ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَلِذَلِكَ اجْتُلِبَتْ فِيهِ أَدَاةُ الْعُمُومِ وَهِي (كل) .

[٩١، ٩٢]

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : الْآيَات ٩١ إِلَى ٩٢]

مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢)

أُتْبِعَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْتِفَاءِ الشُّرَكَاءِ لَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ. وَقُدِّمَتِ النَّتِيجَةُ عَلَى الْقِيَاسِ لِتُجْعَلَ هِيَ الْمَطْلُوبَ فَإِنَّ النَّتِيجَةَ وَالْمَطْلُوبَ مُتَّحِدَانِ فِي الْمَعْنَى مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ، فَهِيَ بِاعْتِبَارِ حُصُولِهَا عَقِبَ الْقِيَاسِ تُسَمَّى نَتِيجَةً، وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا دَعْوَى مُقَامٌ عَلَيْهَا الدَّلِيلُ وَهُوَ الْقِيَاسُ تُسَمَّى مَطْلُوبًا كَمَا فِي عِلْمِ الْمَنْطِقِ. وَلِتَقْدِيمِهَا نُكْتَةٌ أَنَّ هَذَا الْمَطْلُوبَ وَاضِحُ النُّهُوضِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى دَلِيلٍ إِلَّا لِزِيَادَةِ الِاطْمِئْنَانِ فَقَوْلُهُ: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ هُوَ الْمَطْلُوبُ وَقَوْلُهُ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ هُوَ الدَّلِيلُ. وَتَقْدِيمُ هَذَا الْمَطْلُوبِ عَلَى الدَّلِيلِ أَغْنَى عَنِ التَّصْرِيحِ بِالنَّتِيجَةِ عَقِبَ الدَّلِيلِ. وَذُكِرَ نَفْيُ الْوَلَدِ اسْتِقْصَاءً لِلرَّدِّ عَلَى مُخْتَلَفِ عَقَائِدِ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنَ الْعَرَبِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ ارْتَقَى عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَعَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ وَقَالُوا: هُمْ بَنَاتُ اللَّهِ.

وَإِنَّمَا قُدِّمَ نَفْيُ الْوَلَدِ عَلَى نَفْيِ الشَّرِيكِ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُشْرِكِينَ عَبَدَةُ أَصْنَامٍ لَا عَبَدَةُ الْمَلَائِكَةِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ شُبْهَةَ عَبَدَةِ الْمَلَائِكَةِ أَقْوَى مِنْ شُبْهَةِ عَبَدَةِ