الْأَصْنَامِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَيْرُ مُشَاهَدِينَ فَلَيْسَتْ دَلَائِلُ الْحُدُوثِ بَادِيَةً عَلَيْهِمْ كَالْأَصْنَامِ، وَلِأَنَّ الَّذِينَ زَعَمُوهُمْ بَنَاتِ اللَّهِ أَقْرَبُ لِلتَّمْوِيهِ مِنَ الَّذِينَ زَعَمُوا الْحِجَارَة شُرَكَاء الله، وَقد أَشَرْنَا إِلَى ذَلِكَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ [الْمُؤْمِنُونَ: ٨٦] الْآيَةَ.
وَ (إِذَنْ) حَرْفُ جَوَابٍ وَجَزَاءٍ لِكَلَامٍ قَبْلَهَا مَلْفُوظٍ أَوْ مُقَدَّرٍ. وَالْكَلَامُ الْمُجَابُ هُنَا هُوَ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ فَالْجَوَابُ ضِدُّ ذَلِكَ النَّفْيِ. وَإِذْ قَدْ كَانَ هَذَا الضِّدُّ أَمْرًا مُسْتَحِيلَ الْوُقُوعِ تَعَيَّنَ أَنْ يُقَدَّرَ لَهُ شَرْطٌ عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ، وَالْحَرْفُ الْمُعَدُّ
لِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ هُوَ (لَوْ) الِامْتِنَاعِيَّةُ، فَالتَّقْدِيرُ: وَلَوْ كَانَ مَعَهُ إِلَهٌ لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ.
وَبَقَاءُ اللَّامِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ الْوَاقِعِ بَعْدَ (إِذَنْ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُقَدَّرَ شَرْطُ (لَوْ) لِأَنَّ اللَّامَ تَلْزَمُ جَوَابَ (لَوْ) وَلِأَنَّ غَالِبَ مَوَاقِعِ (إِذَنْ) أَنْ تَكُونَ جَوَابَ (لَوْ) فَلِذَلِكَ جَازَ حَذْفُ الشَّرْطِ هُنَا لِظُهُورِ تَقْدِيرِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١٤٠] .
فَقَوْلُهُ: إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى امْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةٌ.
وَإِنَّمَا لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى امْتِنَاعِ أَنْ يَتَّخِذَ اللَّهُ وَلَدًا لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى مَا بَعْدَهُ مُغْنٍ عَنْهُ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ أَعَمُّ مِنْهُ وَانْتِفَاءُ الْأَعَمِّ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْأَخَصِّ فَإِنَّهُ لَو كَانَ الله وَلَدٌ لَكَانَ الْأَوْلَادُ آلِهَةً لِأَنَّ وَلَدَ كُلِّ مَوْجُودٍ إِنَّمَا يَتَكَوَّنُ عَلَى مِثْلِ مَاهِيَّةِ أَصْلِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ [الزخرف: ٨١] أَيْ لَهُ.
وَالذِّهَابُ فِي قَوْلِهِ لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ مُسْتَعَارٌ لِلِاسْتِقْلَالِ بِالْمَذْهُوبِ بِهِ وَعَدَمِ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِيهِ. وَبَيَانُ انْتِظَامِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ الله ءالهة لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْآلِهَةُ سَوَاءً فِي صِفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ وَتِلْكَ الصِّفَاتُ كَمَالَاتٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute