تَامَّةٌ فَكَانَ كُلُّ إِلَهٍ خَالِقًا لِمَخْلُوقَاتٍ لِثُبُوتِ الْمَوْجُودَاتِ الْحَادِثَةِ وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ، فَلَا جَائِزَ أَنْ تَتَوَارَدَ الْآلِهَةُ عَلَى مَخْلُوقٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ: إِمَّا لِعَجْزٍ عَنِ الِانْفِرَادِ بِخَلْقِ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ وَهَذَا لَا يُنَافِي الْإِلَهِيَّةَ، وَإِمَّا تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ إِلَهٍ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ. وَلْنَفْرِضَ أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَاتُ كُلِّ إِلَهٍ مُسَاوِيَةً لِمَخْلُوقَاتِ غَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِي مِقْدَارًا مُعَيَّنًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ يَعْلَمُهَا الْإِلَهُ الْخَالِقُ لَهَا فَتَعَيَّنَ أَنْ لَا تَكُونَ لِلْإِلَهِ الَّذِي لَمْ يَخْلُقْ طَائِفَةً مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ رُبُوبِيَّةً عَلَى مَا لَمْ يَخْلُقْهُ وَهَذَا يُفْضِي إِلَى نَقْصٍ فِي كُلٍّ مِنَ الْآلِهَةِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْمُحَالَ لِأَنَّ الْإِلَهِيَّةَ تَقْتَضِي الْكَمَالَ لَا النَّقْصَ. وَلَا جَرَمَ أَنَّ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ سَتَكُونُ بَعْدَ خَلْقِهَا مُعَرَّضَةً لِلزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ بِحَسَبِ مَا يَحُفُّ بِهَا عَنْ عَوَارِضِ الْوُجُودِ الَّتِي لَا تَخْلُو عَنْهَا الْمَخْلُوقَاتُ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاحِدِ. وَلَا مَنَاصَ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ خَالِقَ الْمَخْلُوقَاتِ أَوْدَعَ فِيهَا خَصَائِصَ مُلَازِمَةً لَهَا كَمَا اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ، فَتِلْكَ الْمَخْلُوقَاتُ مَظَاهِرٌ لِخَصَائِصِهَا لَا مَحَالَةَ فَلَا جَرَمَ أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَفَوُّقَ مَخْلُوقَاتِ بَعْضِ الْآلِهَةِ عَلَى مَخْلُوقَاتِ بَعْضٍ آخَرَ بِعَوَارِضَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ وَالْمُقَارَنَاتِ لَازِمَةً لِذَلِكَ، لَا جَرَمَ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ كُلُّهُ لَازِمَيْنِ بَاطِلَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: أَنْ يَكُونَ كُلُّ إِلَهٍ مُخْتَصًّا بِمَخْلُوقَاتِهِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا غَيْرُهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَلَا يَتَصَرَّفُ هُوَ فِي مَخْلُوقَاتِ غَيْرِهِ، فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ إِلَهٍ مِنَ الْآلِهَةِ عَاجِزٌ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي مَخْلُوقَاتِ غَيْرِهِ. وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ الْمُحَالَ لِأَنَّ الْعَجْزَ نَقْصٌ وَالنَّقْص يُنَافِي حَقِيقَة الْإِلَهِيَّةِ. وَهَذَا دَلِيلٌ بُرْهَانِيٌّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ لِأَنَّهُ أَدَّى إِلَى اسْتِحَالَةِ ضِدِّهَا. فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ.
وَثَانِي: اللَّازِمَيْنِ أَنْ تَصِيرَ مَخْلُوقَاتُ بَعْضِ الْآلِهَةِ أَوْفَرَ أَوْ أَقْوَى مِنْ مَخْلُوقَاتِ إِلَهٍ آخَرَ بِعَوَارِضَ تَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ الْأَعْمَالِ النَّفْسَانِيَّةِ وَآثَارِ الْأَقْطَارِ وَالْحَوَادِثِ كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ فِي اخْتِلَافِ أَحْوَالِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاحِدِ، فَلَا جَرَمَ أَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى اعْتِزَازِ الْإِلَهِ الَّذِي تَفَوَّقَتْ مَخْلُوقَاتُهُ عَلَى الْإِلَهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute