للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٣١]

وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١)

عَطَفَ جُمْلَةَ حُكْمٍ عَلَى جُمْلَةِ حُكْمٍ لِلنَّهْيِ عَنْ فِعْلٍ يَنْشَأُ عَنِ الْيَأْسِ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ.

وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ السَّابِعَةُ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةِ وَقَضى رَبُّكَ الْآيَة [الْإِسْرَاء: ٢٣] .

وَغَيَّرَ أُسْلُوبَ الْإِضْمَارِ مِنَ الْإِفْرَادِ إِلَى الْجَمْعِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُنَا مِنْ أَحْوَال الْجَاهِلِيَّة زجرا لَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْخَطِيئَةِ الذَّمِيمَةِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَلَكِنَّ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ فَرْقًا فِي النَّظْمِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ قِيلَ هُنَا خَشْيَةَ إِمْلاقٍ وَقِيلَ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ مِنْ إِمْلاقٍ [الْأَنْعَام:

١٥١] . وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَئِدُونَ بَنَاتِهِمْ يَئِدُونَهُنَّ لِغَرَضَيْنِ:

إِمَّا لِأَنَّهُمْ فُقَرَاءُ لَا يَسْتَطِيعُونَ إِنْفَاقَ الْبِنْتِ وَلَا يَرْجُونَ مِنْهَا إِنْ كَبِرَتْ إِعَانَةً عَلَى الْكَسْبِ فَهُمْ يَئِدُونَهَا لِذَلِكَ، فَذَلِكَ مَوْرِدُ قَوْلِهِ فِي الْأَنْعَامِ مِنْ إِمْلاقٍ، فَإِنَّ (مِنْ) التَّعْلِيلِيَّةَ تَقْتَضِي أَنَّ الْإِمْلَاقَ سَبَبُ قَتْلِهِنَّ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْإِمْلَاقَ مَوْجُودٌ حِينَ الْقَتْلِ.

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ فَقْرَ الْأَبِ وَلَكِنْ خَشْيَةَ عُرُوضِ الْفَقْرِ لَهُ أَوْ عُرُوضِ الْفَقْرِ لِلْبِنْتِ بِمَوْتِ أَبِيهَا، إِذْ كَانُوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ لَا يُوَرِّثُونَ الْبَنَاتِ، فَيَكُونُ الدَّافِعُ لِلْوَأْدِ هُوَ تَوَقُّعَ الْإِمْلَاقِ، كَمَا قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ خَلَفٍ، شَاعِرٌ إِسْلَامِيٌّ قَدِيمٌ:

إِذَا تَذَكَّرْتُ بِنْتِي حِين تَنْدُبُنِي ... فَاضَتْ لِعَبْرَةِ بِنْتِي عَبْرَتِي بِدَمِ

أُحَاذِرُ الْفَقْرَ يَوْمًا أَنْ يُلِمَّ بِهَا ... فَيُهْتَكُ السِّتْرُ عَنْ لَحْمٍ عَلَى وَضَمِ

تَهْوَى حَيَاتِي وَأَهْوَى مَوْتَهَا شَفَقًا ... وَالْمَوْتُ أَكْرَمُ نَزَّالٍ عَلَى الْحُرَمِ

أَخْشَى فَظَاظَةَ عَمٍّ أَوْ جَفَاءَ أَخٍ ... وَكُنْتُ أَخْشَى عَلَيْهَا مِنْ أَذَى الْكَلِمِِِ