للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة العنكبوت (٢٩) : الْآيَات ١٤ إِلَى ١٥]

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (١٥)

سِيقَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ وَاللَّاتِي بَعْدَهَا شَوَاهِدَ عَلَى مَا لَقِيَ الرُّسُلُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُمْ مِنْ تَكْذِيبِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْلُهُ عَقِبَ الْقِصَّتَيْنِ وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ [العنكبوت: ١٨] عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْآتِيَيْنِ.

وَابْتُدِئَتِ الْقِصَصُ بِقِصَّةِ أَوَّلِ رَسُولٍ بَعْثَهُ اللَّهُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ فَإِنَّ لِأَوَّلِيَّاتِ الْحَوَادِثِ وَقْعًا فِي نُفُوسِ الْمُتَأَمِّلِينَ فِي التَّارِيخِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ قِصَّتِهِ فِي سُورَةِ هُودٍ.

وَزَادَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّهُ لَبِثَ فِي قَوْمِهِ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ هَذِهِ مُدَّةُ رِسَالَتِهِ إِلَى قَوْمِهِ وَلَا غَرَضَ فِي مَعْرِفَةِ عُمُرِهِ يَوْمَ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ، وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى شِدَّةِ مُصَابَرَتِهِ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ وَدَوَامِهِ عَلَى إِبْلَاغِ الدَّعْوَةِ تَثْبِيتًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأُوثِرَ تَمْيِيزُ أَلْفَ بِ سَنَةٍ لِطَلَبِ الْخِفَّةِ بِلَفْظِ سَنَةٍ، وَمُيِّزَ خَمْسِينَ بِلَفْظِ عَامًا لِئَلَّا يُكَرَّرَ لَفْظُ سَنَةٍ.

وَالْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ عَطْفٌ عَلَى أَرْسَلْنا كَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَلَبِثَ وَقَدْ طُوِيَ ذِكْرُ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَخْذُهُمْ بِالطُّوفَانِ وَهُوَ اسْتِمْرَارُ تَكْذِيبِهِمْ.

وَجُمْلَةُ وَهُمْ ظالِمُونَ حَالٌ، أَيْ أَخَذَهُمْ وَهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِالظُّلْمِ، أَيِ الشِّرْكِ وَتَكْذِيبِ الرَّسُولِ، تَلَبُّسًا ثَابِتًا لَهُمْ مُتَقَرِّرًا وَهَذَا تَعْرِيضٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ سَيَأْخُذُهُمْ عَذَابٌ.

وَفَاءُ فَأَنْجَيْناهُ عَطْفٌ عَلَى فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ. وَهَذَا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ مُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَذَابِ.

وَقَوْلُهُ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ الضَّمِيرُ لِلسَّفِينَةِ. وَمَعْنَى كَوْنِهَا آيَةً أَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ الطُّوفَانِ عَذَابًا مِنَ اللَّهِ لِلْمُكَذِّبِينَ الرُّسُلَ، فَكَانَتِ السَّفِينَةُ آيَةً مَاثِلَةً فِي