للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَعَاشُ: يُطْلَقُ مَصْدَرَ عَاشَ إِذَا حَيِيَ، فَالْمَعَاشُ: الْحَيَاةُ وَيُطْلَقُ اسْمًا لِمَا بِهِ عَيْشُ الْإِنْسَانِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.

وَالْمَعْنَيَانِ صَالِحَانِ لِلْآيَةِ إِذْ يَكُونُ الْمَعْنَى: وَجَعَلْنَا النَّهَارَ حَيَاةً لَكُمْ، شُبِّهَتِ الْيَقَظَةُ فِيهِ الْحَيَاةَ، أَوْ يَكُونُ الْمَعْنَى وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعِيشَةً لَكُمْ، وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَعِيشَةٌ مَجَازٌ أَيْضًا بِعَلَاقَةِ السَّبَبِيَّةِ لِأَنَّ النَّهَارَ سَبَبٌ لِلْعَمَلِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْمَعِيشَةِ وَذَلِكَ يُقَابِلُ جَعْلَ اللَّيْلِ سُبَاتًا بِمَعْنَى الِانْقِطَاعِ عَنِ الْعَمَلِ، قَالَ تَعَالَى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [الْقَصَص: ٧٣] .

فَفِي مُقَابَلَةِ السُّبَاتِ بِالْمَعَاشِ عَلَى هَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ مُطَابَقَتَانِ من المحسّنات.

[١٢]

[سُورَة النبإ (٧٨) : آيَة ١٢]

وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢)

نَاسَبَ بَعْدَ ذِكْرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمَا مِنْ مَظَاهِرِ الْأُفُقِ الْمُسَمَّى سَمَاءً أَنْ يُتْبَعَ ذَلِكَ وَمَا سَبَقَهُ مِنْ خَلْقِ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ بِذِكْرِ خَلْقِ الْعَوَالِمِ الْعُلْوِيَّةِ.

وَالْبِنَاءُ: جَعْلُ الْجَاعِلِ أَوْ صُنْعُ الصَّانِعِ بَيْتًا أَوْ قَصْرًا مِنْ حِجَارَةٍ وَطِينٍ أَوْ مِنْ أَثْوَابٍ، أَوْ مِنْ أَدَمٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَهُوَ مَصْدَرُ بَنَى، فَبَيْتُ الْمَدَرِ مَبْنِيٌّ، وَالْخَيْمَةُ مَبْنِيَّةٌ، وَالطِّرَافُ وَالْقُبَّةُ مِنَ الْأَدَمِ مَبْنِيَّانِ. وَالْبِنَاءُ يَسْتَلْزِمُ الْإِعْلَاءَ عَلَى الْأَرْضِ فَلَيْسَ الْحَفْرُ بِنَاءً وَلَا نَقْرُ الصُّخُورِ فِي الْجِبَالِ بِنَاءً. قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا ... بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ

فَذَكَرَ الدَّعَائِمَ وَهِيَ مِنْ أَجْزَاءِ الْخَيْمَةِ.

وَاسْتُعِيرَ فِعْلُ بَنَيْنا فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِمَعْنَى: خَلَقْنَا مَا هُوَ عَالٍ فَوْقَ النَّاسِ، لِأَنَّ تَكْوِينَهُ عَالِيًا يُشْبِهُ الْبِنَاءَ.

وَلِذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ: فَوْقَكُمْ إِيمَاءً إِلَى وَجْهِ الشَّبَهِ فِي إِطْلَاقِ فِعْلِ بَنَيْنا وَلَيْسَ

ذَلِكَ تَجْرِيدًا لِلِاسْتِعَارَةِ لِأَنَّ الْفَوْقِيَّةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَبْنِيَّاتِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَنْبِيهِ النُّفُوسِ لِلِاعْتِبَارِ وَالنَّظَرِ فِي تِلْكَ السَّبْعِ الشِّدَادِ.

وَالْمُرَادُ بِالسَّبْعِ الشِّدَادِ: السَّمَاوَاتُ، فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ وَحَذْفِ الْمَوْصُوفِ