وَالْفَاءُ فِي فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى فَاعْلَمُوا. وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْحَثِّ عَلَى الْفِعْلِ وَعَدَمِ تَأْخِيرِهِ كَقَوْلِهِ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [الْمَائِدَة: ٩١] أَيْ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَفِعْلِ الْمَيْسِرِ. وَالْمَعْنَى: فَهَلْ تُسلِمُونَ بَعْدَ تَحَقُّقِكُمْ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَجِيءَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى دَوَامِ الْفِعْلِ وَثَبَاتِهِ. وَلَمْ يَقُلْ فَهَلْ تُسْلِمُونَ لِأَنَّ حَالَةَ عَدَمِ الِاسْتِجَابَةِ تُكْسِبُ الْيَقِينَ بِصِحَّةِ الْإِسْلَامِ فَتَقْتَضِي تَمَكُّنَهُ مِنَ النُّفُوسِ وَذَلِكَ التَّمَكُّنُ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْجُمْلَة الاسمية.
[١٥، ١٦]
[سُورَة هود (١١) : الْآيَات ١٥ إِلَى ١٦]
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦)
اسْتِئْنَافٌ اعْتِرَاضِيٌّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ نَاشِئٌ عَنْ جُمْلَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [هود: ١٤] لِأَنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةَ تَفَرَّعَتْ عَلَى نُهُوضِ الْحُجَّةِ فَإِنْ كَانُوا طَالِبِينَ الْحَقَّ وَالْفَوْزَ فَقَدِ اسْتَتَبَّ لَهُمْ مَا يَقْتَضِي تَمَكُّنَ الْإِسْلَامِ مِنْ نُفُوسِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا إِنَّمَا يَطْلُبُونَ الْكِبْرِيَاءَ وَالسِّيَادَةَ فِي الدُّنْيَا وَيَأْنَفُونَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا تَبَعًا لِغَيْرِهِمْ فَهُمْ مُرِيدُونَ الدُّنْيَا فَلِذَلِكَ حُذِّرُوا مِنْ أَنْ يَغْتَرُّوا بِالْمَتَاعِ الْعَاجِلِ وَأُعْلِمُوا بِأَنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ الْعَذَابَ الدَّائِمَ وَأَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ، فَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ هُوَ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ، أَعْنِي جُمْلَةَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ إلَخْ ... وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ تَمْهِيدٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى بِوَارِقِ الْغُرُورِ وَمَزَالِقِ الذُّهُولِ.
وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ هُوَ حَالَهُمْ كَانَ فِي هَذَا الِاعْتِرَاضِ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِأَسْبَابِ مُكَابَرَتِهِمْ
وَبُعْدِهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ، وَفِيهِ تَنْبِيهُ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ لَا يَغْتَرُّوا بِظَاهِرِ حُسْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute