[سُورَة الْأَحْقَاف (٤٦) : آيَة ٤]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤)
انْتَقَلَ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ على بطلَان نفي صِفَةِ الْإِلَهِيَّةِ عَنْ أَصْنَامِهِمْ. فَجُمْلَةُ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ أَمْرٌ بِإِلْقَاءِ الدَّلِيلِ عَلَى إِبْطَالِ الْإِشْرَاكِ وَهُوَ أَصْلُ ضَلَالِهِمْ.
وَجَاءَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِأُسْلُوبِ المناظرة فَجعل النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَاجِهًا لَهُمْ بِالِاحْتِجَاجِ لِيَكُونَ إِلْجَاءً لَهُمْ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ عَنْ مُعَارَضَةِ حُجَّتِهِ، وَكَذَلِكَ جَرَى الِاحْتِجَاجُ بَعْدَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِطَرِيقَةِ أَمْرِ التَّعْجِيزِ بِقَوْلِهِ: أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ الْآيَة. وأَ رَأَيْتُمْ اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ مَعْنَى:
أَخْبِرُونِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٤٠] قَوْلُهُ: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ.
وَقَوْلُهُ: أَرُونِي تَصْرِيحٌ بِمَا كَنَّى عَنْهُ طَرِيقُ التَّقْرِيرِ لِقَوْلِهِ: أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ وَمُوقِعُ جُمْلَةِ أَرُونِي فِي مَوْقِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِفِعْلِ أَرَأَيْتُمْ.
وَالْأَمْرُ فِي أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّسْخِيرِ وَالتَّعْجِيزِ كِنَايَةٌ عَنِ النَّفْيِ إِنْ لَمْ يَخْلُقُوا مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا فَلَا تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُرُونِي شَيْئًا خَلَقُوهُ فِي الْأَرْضِ، وَهَذَا من رُؤُوس مَسَائِلِ الْمُنَاظَرَةِ، وَهُوَ مُطَالَبَةُ الْمُدَّعِي بِالدَّلِيلِ عَلَى إِثْبَاتِ دَعْوَاهُ. وماذا بِمَعْنَى مَا الَّذِي خَلَقُوهُ، فَ (مَا) اسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَ (ذَا) بِمَعْنَى الَّذِي. وَأَصْلُهُ اسْمُ إِشَارَةٍ نَابَ عَنِ الْمَوْصُولِ. وأصل التَّرْكِيب: مَاذَا الَّذِي خَلَقُوا، فَاقْتَصَرَ عَلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ وَحَذْفُ اسْم الْمَوْصُول غَالِبا فِي الْكَلَامِ وَقَدْ يَظْهَرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ [الْبَقَرَة: ٢٥٥] . وَلِهَذَا قَالَ النُّحَاةُ: إِنَّ (ذَا) بَعْدَ (مَا) أَوَ (مَنْ) الِاسْتِفْهَامِيَّتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ (مَا) الْمَوْصُولَةِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي مَاذَا خَلَقُوا إِنْكَارِيٌّ. وَجُمْلَةُ مَاذَا خَلَقُوا بَدَلٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute