[سُورَة الْأَنْبِيَاء (٢١) : الْآيَات ١٠١ إِلَى ١٠٣]
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣)
جُمْلَةُ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا دَعَا إِلَيْهِ مُقَابَلَةُ حِكَايَةِ حَالِ الْكَافِرِينَ وَمَا يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحِكَايَةِ مَا يَلْقَاهُ الَّذِينَ آمَنُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا يُقَالُ لَهُمْ. فَالَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمُ الْحُسْنَى هُمُ الْفَرِيقُ الْمُقَابِلُ لِفَرِيقِ الْقَرْيَةِ الَّتِي سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِهْلَاكُهَا، وَلَمَّا كَانَ فَرِيقُ الْقَرْيَةِ هُمُ الْمُشْرِكِينَ فَالْفَرِيقُ الْمُقَابِلُ لَهُ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ. وَلَا عَلَاقَةَ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ بِجُمْلَةِ إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الْأَنْبِيَاء: ٩٨] وَلَا
هِيَ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ بَلْ قَوْلُهُ تَعَالَى: والَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى عَامٌّ يَعُمُّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَالسَّبْقُ، حَقِيقَتُهُ: تَجَاوُزُ الْغَيْرِ فِي السَّيْرِ إِلَى مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، وَمِنْهُ سِبَاقُ الْخَيْلِ، وَاسْتُعْمِلَ هُنَا مَجَازًا فِي ثُبُوتِ الْأَمْنِ فِي الْمَاضِي، يُقَالُ كَانَ هَذَا فِي الْعُصُورِ السَّابِقَةِ، أَيِ الَّتِي مَضَتْ أَزْمَانُهَا لِمَا بَيْنَ السَّبْقِ وَبَين التَّقَدُّم من الْمُلَازَمَةِ، أَيِ الَّذِينَ حَصَلَتْ لَهُمُ الْحُسْنَى فِي الدُّنْيَا، أَيْ حَصَلَ لَهُمُ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ مِنَ اللَّهِ، أَيْ بِتَوْفِيقِهِ وَتَقْدِيرِهِ، كَمَا حَصَلَ الْإِهْلَاكُ لِأَضْدَادِهِمْ بِمَا قُدِّرَ لَهُمْ مِنَ الْخِذْلَانِ.
وَالْحُسْنَى: الْحَالَةُ الْحَسَنَةُ فِي الدِّينِ، قَالَ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يُونُس: ٢٦] أَوِ الْمَوْعِدَةُ الْحُسْنَى، أَيْ تَقَرَّرَ وَعْدُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِالْمُعَامَلَةِ الْحُسْنَى. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يُونُسَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute