للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذَا مَا يُوَضِّحُ مَعْنَى الْبَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى: وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ. وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ [١٤] . وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ فِي تَعْدِيَةِ فِعْلِ الْغَرُورِ بِالْبَاءِ قَرِيبٌ مِنْ تَعْدِيَتِهِ بِ (مِنَ) الِابْتِدَائِيَّةِ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي أَيْ: لَا يَغُرَّنَّكِ مِنْ مُعَامَلَتِي مَعَكِ أَنَّ حبك قاتلي.

[٣٤]

[سُورَة لُقْمَان (٣١) : آيَة ٣٤]

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)

كَانَ مِنْ جُمْلَةِ غَرُورِهِمْ فِي نَفْيِ الْبَعْثِ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ عَدَمَ إِعْلَامِ النَّاسِ بِتَعْيِينِ وَقْتِهِ أَمَارَةً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ. قَالَ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [يُونُس:

٤٨] وَقَالَ: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِها [الشورى:

١٧، ١٨] ، فَلَمَّا جَرَى فِي الْآيَاتِ قَبْلَهَا ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أُعْقِبَتْ بِأَنَّ وَقْتَ السَّاعَةِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ.

فَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِوُقُوعِهَا جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ فِي نُفُوسِ النَّاسِ. وَالْجُمَلُ الْأَرْبَعُ الَّتِي بَعْدَهَا إِدْمَاجٌ لِجَمْعِ نَظَائِرِهَا تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ.

وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ سَمَّاهُ فِي «الْكَشَّافِ» الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو وَوَقع فِي «تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ» وَفِي «أَسْبَابِ النُّزُولِ» لِلْوَاحِدِيِّ تَسْمِيَتُهُ الْوَارِثُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ وَقَدْ أَجْدَبَتْ بِلَادُنَا فَمَتَى تُخْصِبُ؟ وَتَرَكْتُ امْرَأَتِي حُبْلَى فَمَا تَلِدُ؟ وَمَاذَا أَكْسِبُ غَدًا؟ وَبِأَيِّ أَرْضٍ أَمُوتُ؟، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَلَا يُدْرَى سَنَدُ هَذَا. وَنُسِبَ إِلَى عِكْرِمَةَ وَمُقَاتِلٍ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا فَإِنَّهُ مُقْتَضَى السِّيَاقِ.

وَقَدْ أَفَادَ التَّأْكِيدُ بِحَرْفِ إِنَّ تَحْقِيقَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِوَقْتِ السَّاعَةِ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَأْكِيدَ وُقُوعِهَا. وَفِي كَلِمَةٍ عِنْدَهُ إِشَارَةٌ إِلَى اخْتِصَاصِهِ تَعَالَى بِذَلِكَ الْعِلْمِ لِأَنَّ