للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ عَبَدُوهُ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِهِ، وَأَنَّهُ أَعْرَضَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تُشْعِرُ بِالِاخْتِصَاصِ، لِأَنَّهَا عَلَى تَقْدِيرِ لَامِ الِاخْتِصَاصِ، فَلَمَّا عَبَّرَ عَنِ الْغَفُورِ تَعَالَى بأنّه ربّ النّبيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عُلِمَ أَنَّهُ رَبُّ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ رَبُّ الْمُشْرِكِينَ بِاعْتِبَارِ مَا فِي مَعْنَى الرَّبِّ مِنَ الْوِلَايَةِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ [مُحَمَّد: ١١] أَيْ لَا مَوْلَى يُعَامِلُهُمْ بِآثَارِ الْوِلَايَةِ وَشِعَارِهَا، ذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ حِجَاجِ الْمُشْرِكِينَ بِخِلَافِ آيَةِ الْبَقَرَةِ [١٧٢] فَإِنَّهَا مُفْتَتَحَةٌ بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ.

وَالْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ مَعْلُومًا مِنْ مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، هُوَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْإِذْنِ فِي تَنَاوُلِ تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ وَرَفْعِ حَرَجِ التَّحْرِيمِ عَنْهَا حِينَئِذٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٨٢] : فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

[١٤٦]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٤٦]

وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦)

جُمْلَةُ: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَطْفٌ عَلَى جملَة: قُلْ [الْأَنْعَام: ١٤٥] عَطْفُ

خَبَرٍ عَلَى إِنْشَاءٍ، أَيْ بَيِّنْ لَهُمْ مَا حُرِّمَ فِي الْإِسْلَامِ، وَاذْكُرَ لَهُمْ مَا حَرَّمْنَا عَلَى الَّذِينَ هَادَوْا قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَالْمُنَاسَبَةُ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَمر نبيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنْ يُبَيِّنَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَكَانَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ خَبِيثٌ بَعْضُهُ لَا يَصْلُحُ أَكْلُهُ بِالْأَجْسَادِ الَّذِي قَالَ فِيهِ فَإِنَّهُ رِجْسٌ [الْأَنْعَام: ١٤٥] ، وَمِنْهُ