للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِقَوْلِهِمْ: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف: ٢٢] ، وَقَالَ قَوْمُ شُعَيْبٍ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا [هود: ٨٧] ، بِخِلَافِ الْيَهُودِ آمَنُوا بِرُسُلِهِمُ ابْتِدَاءً ثُمَّ انْتَقَضُوا عَلَيْهِمْ بِالتَّكْذِيبِ وَالتَّقْتِيلِ إِذَا حَمَلُوهُمْ عَلَى مَا فِيهِ خَيْرُهُمْ مِمَّا لَا يَهْوُونَهُ.

وَتَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ فِي قَوْلِهِ: فَرِيقاً كَذَّبُوا لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ بِالتَّفْصِيلِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ مَسَاقَ التَّفْصِيلِ لِأَحْوَالِ رُسُلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِاعْتِبَار مَا لَا قوه مِنْ قَوْمِهِمْ، وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ مَفْعُولِ يَقْتُلُونَ رِعَايَةً عَلَى فَاصِلَةِ الْآيِ، فَقَدَّمَ مَفْعُولَ كَذَّبُوا لِيَكُونَ الْمَفْعُولَانِ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ. وَجِيءَ فِي قَوْلِهِ: يَقْتُلُونَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِحِكَايَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ لِاسْتِحْضَارِ تِلْكَ الْحَالَةِ الْفَظِيعَةِ إِبْلَاغًا فِي التَّعْجِيبِ مِنْ شَنَاعَةِ فَاعِلِيهَا.

وَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ أُمَّةٌ يَخْلُفُ بَعْضُ أَجْيَالِهَا بَعْضًا، وَأَنَّهَا رَسَخَتْ فِيهَا أَخْلَاقٌ مُتَمَاثِلَةٌ وَعَوَائِدُ مُتَّبَعَةٌ بِحَيْثُ يَكُونُ الْخَلَفُ مِنْهُمْ فِيهَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ فَلِذَلِكَ أُسْنِدَتِ الْأَفْعَالُ الْوَاقِعَةُ فِي عُصُورٍ مُتَفَاوِتَةٍ إِلَى ضَمَائِرِهِمْ مَعَ اخْتِلَافِ الْفَاعِلِينَ، فَإِنَّ الَّذِينَ قَتَلُوا بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ فَرِيقٌ غَيْرُ الَّذِينَ اقْتَصَرُوا على التَّكْذِيب.

[٧١]

[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٧١]

وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٧١)

عُطِفَ عَلَى قَوْله: كَذَّبُوا [الْمَائِدَة: ٧٠] ويَقْتُلُونَ [الْمَائِدَة: ٧٠] لِبَيَانِ فَسَادِ اعْتِقَادِهِمُ النَّاشِئِ عَنْهُ فَاسِدُ أَعْمَالِهِمْ، أَيْ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا مِنَ الْفَظَائِعِ عَنْ تَعَمُّدٍ بِغُرُورٍ، لَا عَنْ فَلْتَةٍ أَوْ ثَائِرَةِ نَفْسٍ حَتَّى يُنِيبُوا وَيَتُوبُوا. وَالضَّمَائِرُ الْبَارِزَةُ عَائِدَةٌ مِثْلُ الضَّمَائِرِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَوْلِهِ كَذَّبُوا ويَقْتُلُونَ. وَظَنُّوا أَنَّ فِعْلَهُمْ لَا تَلْحَقُهُمْ مِنْهُ فِتْنَةٌ.