يَقْتَضِي أَنَّ الَّذِينَ تَمَنَّوْا ذَلِكَ وَتَرَبَّصُوا بِهِ كَأَنَّهُمْ وَاثِقُونَ بِأَنَّهُمْ يَمُوتُونَ بَعْدَهُ فَتَتِمُّ شَمَاتَتُهُمْ، أَوْ كَأَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ أَبَدًا فَلَا يَشْمَتُ بِهِمْ أَحَدٌ، وُجِّهَ إِلَيْهِمِ اسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّعْرِيضِ بِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ خَالِدُونَ.
وَفِي الْآيَةِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الَّذِينَ لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهُ لَهُمُ الْإِسْلَامَ مِمَّنْ قَالُوا ذَلِكَ الْقَوْلَ سَيَمُوتُونَ قَبْلَ موت النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلَا يَشْمَتُونَ بِهِ فَإِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى أهلك الله رُؤُوس الَّذِينَ عَانَدُوهُ وَهَدَى بَقِيَّتَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ.
فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ طَرِيقَةُ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ، أَيْ أَنَّكَ تَمُوتُ كَمَا قَالُوا وَلَكِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ وَهُمْ بِحَالِ مَنْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُخَلَّدُونَ فَأَيْقَنُوا
بِأَنَّهُمْ يَتَرَبَّصُونَ بِكَ رَيْبَ الْمَنُونِ مِنْ فَرْطِ غُرُورِهِمْ، فَالتَّفْرِيعُ كَانَ عَلَى مَا فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى مِنَ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ، أَيْ مَا هُمْ بِخَالِدِينَ حَتَّى يُوقِنُوا أَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَوْتَكَ. وَفِي الْإِنْكَارِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ إِنْذَارٌ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَرَى مَوْتَهُ مِنْهُم أحد.
[٣٥]
[سُورَة الْأَنْبِيَاء (٢١) : آيَة ٣٥]
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥)
جُمَلٌ مُعْتَرِضَاتٌ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَعَاطِفَتَيْنِ.
وَمَضْمُونُ الْجُمْلَةِ الْأُولَى مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا، وَهِيَ وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الْأَنْبِيَاء: ٣٤] . وَوَجْهُ إِعَادَتِهَا اخْتِلَافُ الْقَصْدِ فَإِنَّ الْأُولَى لِلرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَهَذِهِ لِتَعْلِيمِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَاسْتُعِيرَ الذَّوْقُ لِمُطْلَقِ الْإِحْسَاسِ الْبَاطِنِيِّ لِأَنَّ الذَّوْقَ إِحْسَاسٌ بِاللِّسَانِ يُقَارِنُهُ ازْدِرَادٌ إِلَى بِالْبَاطِنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute