للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَوْقُ الْمَوْتِ ذَوْقُ آلَامِ مُقَدِّمَاتِهِ وَأَمَّا بَعْدَ حُصُولِهِ فَلَا إِحْسَاسَ لِلْجَسَدِ.

وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ النُّفُوسُ الْحَالَّةُ فِي الْأَجْسَادِ كَالْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ. وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَلَائِكَةُ لِأَنَّ إِطْلَاقَ النُّفُوسِ عَلَيْهِمْ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ بَلْ هُوَ اصْطِلَاحُ الْحُكَمَاءِ وَهُوَ لَا يُطْلَقُ عِنْدَهُمْ إِلَّا مُقَيَّدًا بِوَصْفِ الْمُجَرَّدَاتِ، أَيِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فِي الْأَجْسَادِ وَلَا تُلَابِسُ الْمَادَّةَ. وَأَمَّا إِطْلَاقُ النَّفْسِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمُشَاكَلَةٌ: إِمَّا لَفْظِيَّةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [١١٦] . وَإِمَّا تَقْدِيرِيَّةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ فِي آلِ عِمْرَانَ [٢٨] .

وَجُمْلَةُ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً عَطْفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ بِمُنَاسَبَةِ أَنَّ ذَوْقَ الْمَوْتِ يَقْتَضِي سَبْقَ الْحَيَاةِ، وَالْحَيَاةُ مُدَّةٌ يَعْتَرِي فِيهَا الْخَيْرُ وَالشَّرُّ جَمِيعَ الْأَحْيَاءِ، فَعَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْمَوْتَ مَكْتُوبٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ حَتَّى لَا يَحْسَبُوا أَن الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَلَّدٌ.

وَقَدْ عَرَضَ لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ عَارِضٌ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ قَالَ يَوْمَ انْتِقَالِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى: «لِيَرْجِعَنَّ رَسُولُ اللَّهِ فَيُقَطِّعَ أَيْدِيَ قَوْمٍ وَأَرْجُلَهُمْ» حَتَّى حَضَرَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَثَبَّتَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْهَوْلِ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبَّلَهُ وَقَالَ: «طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا وَاللَّهِ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ» . وَقَدْ قَالَ عَبَدُ بَنِي الْحَسْحَاسِ وَأَجَادَ:

رَأَيْتُ الْمَنَايَا لَمْ يَدَعْنَ مُحَمَّدًا ... وَلَا بَاقِيًا إِلَّا لَهُ الْمَوْتُ مَرْصَدَا

وَأَعْقَبَ اللَّهُ ذَلِكَ بِتَعْلِيمِهِمْ أَنَّ الْحَيَاةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى خَيْرٍ وَشَرٍّ وَأَنَّ الدُّنْيَا دَارُ ابْتِلَاءٍ.