للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِي قَوْلِهِ: أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ حُذِفَتْ (مِنْ) الْمُتَعَلِّقَةُ بِ تَخافُونَ لِاطِّرَادِ حَذْفِ الْجَارِّ مَعَ (أَنْ) ، أَيْ مِنْ إِشْرَاكِكُمْ، وَلَمْ يَقُلْ: وَلَا تَخَافُونَ اللَّهَ، لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يَعْرِفُونَ اللَّهَ وَيَخَافُونَهُ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَخَافُوا الْإِشْرَاكَ بِهِ. وَمَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مَوْصُولٌ مَعَ صِلَتِهِ مَفْعُولُ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ.

وَمَعْنَى لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ لَمْ يُخْبِرْكُمْ بِإِلَهِيَّةِ الْأَصْنَامِ الَّتِي عَبَدْتُمُوهَا وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِعِبَادَتِهَا خَبَرًا تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ فَلِذَلِكَ اسْتَعَارَ لِذَلِكَ الْخَبَرِ التَّنْزِيلَ تَشْبِيهًا لِعِظَمِ قَدْرِهِ

بِالرِّفْعَةِ، وَلِبُلُوغِهِ إِلَى مَنْ هُمْ دُونَ الْمُخْبَرِ، بِنُزُولِ الشَّيْءِ الْعَالِي إِلَى أَسْفَلِ مِنْهُ.

وَالسُّلْطَانُ: الْحُجَّةُ لِأَنَّهَا تَتَسَلَّطُ عَلَى نَفْسِ الْمُخَاصِمِ، أَيْ لَمْ يَأْتِكُمْ خَبَرٌ مِنْهُ تَجْعَلُونَهُ حُجَّةً عَلَى صِحَّةِ عِبَادَتِكُمُ الْأَصْنَامَ.

وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ تَفْرِيعٌ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَالتَّعْجِيبُ فَرْعٌ عَلَيْهِمَا اسْتِفْهَامًا مُلْجِئًا إِلَى الِاعْتِرَافِ بِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ مِنْ آلِهَتِهِمْ.

والاستفهام ب فَأَيُّ لِلتَّقْرِيرِ بِأَنَّ فَرِيقَهُ هُوَ وَحْدَهُ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ.

وَالْفَرِيقُ: الطَّائِفَةُ الْكَثِيرَةُ مِنَ النَّاسِ الْمُتَمَيِّزَةُ عَنْ غَيْرِهَا بِشَيْءٍ يَجْمَعُهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ مَكَانٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، مُشْتَقٌّ مِنْ فَرَّقَ إِذَا مَيَّزَ. وَالْفِرْقَةُ أَقَلُّ مِنَ الْفَرِيقِ، وَأَرَادَ بِالْفَرِيقَيْنِ هُنَا قَوْمَهُ وَنَفْسَهُ، فَأَطْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ الْفَرِيقَ تَغْلِيبًا، أَوْ أَرَادَ نَفْسَهُ وَمَنْ تَبِعَهُ إِنْ كَانَ لَهُ أَتْبَاعٌ سَاعَتَئِذٍ، قَالَ تَعَالَى: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت: ٢٦] ، أَوْ أَرَادَ مَنْ سَيُوجَدُ مِنْ أَتْبَاعِ مِلَّتِهِ، كَمَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [الْأَنْعَام: ٨٢] .

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَمْنُ لِلْجِنْسِ، وَهُوَ ضِدُّ الْخَوْفِ، وَجُمْلَةُ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ، وَجَوَابُ شَرْطِهَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ، تَقْدِيرُهُ: فَأَجِيبُونِي، وَفِيهِ اسْتِحْثَاثٌ على الْجَواب.

[٨٢]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٨٢]

الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢)

هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ حِكَايَةِ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ فَيَكُونُ