للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَوَابًا مِنْهُ عَنْ قَوْلِهِ: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ [الْأَنْعَام: ٨١] . تَوَلَّى جَوَابَ اسْتِفْهَامِهِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَنْتَظِرْ جَوَابَهُمْ لِكَوْنِ الْجَوَابِ مِمَّا لَا يَسَعُ الْمَسْئُولَ إِلَّا أَنْ يُجِيبَ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ تَبْكِيتٌ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَمَا يَسْأَلُ الْعَالِمُ وَيُجِيبُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ، أَيْ بِقَوْلِهِ: «فَإِنْ قُلْتَ قُلْتُ» .

وَقَدْ تَقَدَّمَتْ نَظَائِرُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ.

وَقِيلَ: لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ حِكَايَةِ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدِ انْتَهَى قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ قَوْلِهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الْأَنْعَام: ٨١] بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِابْتِدَاءِ حُكْمٍ، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا تَصْدِيقًا لِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ.

وَقِيلَ: هُوَ حِكَايَةٌ لِكَلَامٍ صَدَرَ مِنْ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ إِبْرَاهِيمَ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ [الْأَنْعَام: ٨١] . وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: قَالَ الَّذِينَ

آمَنُوا إِلَخ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ قَوْلِ قَوْمِهِ لَمَا اسْتَمَرَّ بِهِمُ الضَّلَالُ وَالْمُكَابَرَةُ إِلَى حَدِّ أَنْ أَلْقَوْا إِبْرَاهِيمَ فِي النَّارِ.

وَحَذْفُ مُتَعَلِّقِ فِعْلِ آمَنُوا لِظُهُورِهِ مِنَ الْكَلَامِ السَّابِقِ. وَالتَّقْدِيرُ: الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ.

وَحَقِيقَةُ يَلْبِسُوا يَخْلِطُوا، وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي الْعَمَلِ بِشَيْئَيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. شُبِّهَ بِخَلْطِ الْأَجْسَامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ [الْبَقَرَة: ٤٢] .

وَالظُّلْمُ: الِاعْتِدَاءُ عَلَى حَقِّ صَاحِبِ حَقٍّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا إِشْرَاكُ غَيْرِ اللَّهِ مَعَ اللَّهِ فِي اعْتِقَادِ الْإِلَهِيَّةِ وَفِي الْعِبَادَةِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَان: ١٣] لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الِاعْتِدَاءِ، إِذْ هُوَ اعْتِدَاءٌ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ الْمُطْلَقِ الْعَظِيمِ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ اعْتِقَادًا وَعَمَلًا وَقَوْلًا لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهُ عَلَى مَخْلُوقَاتِهِ.

فَفِي الْحَدِيثِ «حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»

. وَقَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُ الظُّلْمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالشِّرْكِ.

فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «لَمَّا نَزَلَتِ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»

[لُقْمَان: ١٣] اهـ. وَذَلِكَ أَنَّ الشِّرْكَ جَمَعَ بَيْنَ