للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الِاعْتِرَافِ لِلَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالِاعْتِرَافِ لِغَيْرِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ أَيْضًا. وَلَمَّا كَانَ الِاعْتِرَافُ لِغَيْرِهِ ظُلْمًا كَانَ إِيمَانُهُمْ بِاللَّهِ مَخْلُوطًا بِظُلْمٍ وَهُوَ إِيمَانُهُمْ بِغَيْرِهِ، وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُلَائِمُ لِاسْتِعَارَةِ اسْمِ الْخَلْطِ لِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَإِشْرَاكَ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ كِلَاهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ اعْتِقَادُ الرُّبُوبِيَّةِ فَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ، وَذَلِكَ أَظْهَرُ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ، لِأَنَّ شَأْنَ الْأَجْسَامِ الْمُتَمَاثِلَةِ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَاطُهَا أَشَدَّ فَإِنَّ التَّشَابُهَ أَقْوَى أَحْوَالِ التَّشْبِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَيَانِ. وَالْمَعْنَى الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِهِ غَيْرَهُ فِي الْعِبَادَةِ.

وَحَمَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ الظُّلْمَ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْمَعَاصِيَ، لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ ظُلْمٌ لِلنَّفْسِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التَّوْبَة: ٣٦] تَأْوِيلًا لِلْآيَةِ عَلَى أُصُولِ الِاعْتِزَالِ لِأَنَّ الْعَاصِيَ غَيْرُ آمِنٍ مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ فَهُوَ مُسَاوٍ لِلْكَافِرِ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، مَعَ أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِلَى آخِرِهِ مِنْ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ إِنْ كَانَ مَحْكِيًّا مِنْ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ لَا يَصِحُّ تَفْسِيرُ الظُّلْمِ مِنْهُ بِالْمَعْصِيَةِ إِذْ لَمْ يَكُنْ إِبْرَاهِيمُ حِينَئِذٍ دَاعِيًا إِلَّا لِلتَّوْحِيدِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَعْدُ شَرِيعَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْكِيٍّ مِنْ كَلَامِهِ فَلَا يُنَاسِبُ تَفْسِيرُهُ فِيهِ بِالْمَعْصِيَةِ، لِأَنَّ تَعْقِيبَ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ مَقْصُودٌ مِنْهُ تَأْيِيدُ قَوْلِهِ وَتَبْيِينُهُ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْآيَةَ غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ لِلتَّأْوِيلِ

عَلَى أُصُولِهِمْ نَظَرًا لِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْنَدَ إِلَيْهِ جَدِيرٌ بِالْمُسْنَدِ مِنْ أَجْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوْصَافِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] .

وَقَوْلُهُ لَهُمُ الْأَمْنُ أَشَارَتِ اللَّامُ إِلَى أَنَّ الْأَمْنَ مُخْتَصٌّ بِهِمْ وَثَابِتٌ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: آمِنُونَ. وَالْمُرَادُ الْأَمْنُ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا بِالِاسْتِئْصَالِ وَنَحْوِهِ وَمَا عُذِّبَتْ بِهِ الْأُمَمُ الْجَاحِدَةُ، وَمِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ إِذْ لَمْ يَكُنْ مَطْلُوبًا مِنْهُمْ حِينَئِذٍ إِلَّا التَّوْحِيدُ. وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَمْنُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، وَهُوَ الْأَمْنُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ، لِأَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ التَّعْرِيفُ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ حَتَّى يَجِيءَ فِيهِ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْمَعْرِفَةَ إِذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً فَالثَّانِيَةُ عَيْنُ الْأُولَى إِذْ لَا يُحْتَمَلُ هُنَا غَيْرُ ذَلِكَ.