للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعَذَابَ جَائِيهِمْ وَحَالٌّ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ. وَمَا كانُوا يُوعَدُونَ مَوْصُولٌ وَصِلَتُهُ. وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: يُوعَدُونَهُ.

وَجُمْلَةُ: مَا أَغْنى عَنْهُمْ سَادَّةٌ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ (رَأَيْتَ) لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَنِ الْعَمَلِ بِسَبَبِ الِاسْتِفْهَامِ بَعْدَهُ. وَمَا كانُوا يُمَتَّعُونَ مَوْصُولٌ وَصِلَتُهُ. وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: يُمَتَّعُونَهُ.

وَالْمَعْنَى: أَعَلِمْتَ أَنَّ تَمْتِيعَهُمْ بِالسَّلَامَةِ وَتَأْخِيرَ الْعَذَابِ إِنْ فُرِضَ امْتِدَادُهُ سِنِينَ عَدِيدَةً غَيْرُ مُغْنٍ عَنْهُمْ شَيْئًا إِنْ جَاءَهُمُ الْعَذَابُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [هود: ٨] ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمُورَ بِالْخَوَاتِيمِ. فِي «تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ» : رَوَى ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ إِذَا أَصْبَحَ أَمْسَكَ بِلِحْيَتِهِ ثُمَّ قَرَأَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ مَا كانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يُمَتَّعُونَ ثُمَّ يَبْكِي وَيَقُولُ:

نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ... وَلَيْلُكَ نَوْمٌ وَالرَّدَى لَكَ لَازِمٌ

فَلَا أَنْتَ فِي الْإِيقَاظِ يَقْظَانُ حَازِمٌ ... وَلَا أَنْتَ فِي النُّوَّامِ نَاجٍ فَسَالِمُ

تُسَرُّ بِمَا يَفْنَى وَتَفْرَحُ بِالْمُنَى ... كَمَا سُرَّ بِاللَّذَّاتِ فِي النَّوْمِ حَالِمُ

وَتَسْعَى إِلَى مَا سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ ... كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيشُ الْبَهَائِمُ

وَلَمْ أَقِفْ عَلَى صَاحِبِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلِأَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ قِصَّةٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَلَعَلَّ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رُوِيَ مَثِيلُهُ عَن الْمَنْصُور.

[٢٠٨]

[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : آيَة ٢٠٨]

وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨)

تَذْكِيرٌ لِقُرَيْشٍ بِأَنَّ الْقُرَى الَّتِي أَهْلَكَهَا اللَّهُ وَالَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَدْ كَانَ لَهَا رُسُلٌ يُنْذِرُونَهَا عَذَابَ اللَّهِ لِيَقِيسُوا حَالَتَهُمْ عَلَى أَحْوَالِ الْأُمَمِ الَّتِي قَبْلَهُمْ.

وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ أَحْوَالٍ مَحْذُوفَةٌ. وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا فِي حَالٍ لَهَا مُنْذِرُونَ. وَعُرِّيَتْ جُمْلَةُ الْحَالِ عَنِ الْوَاوِ اسْتِغْنَاءً عَنِ الْوَاوِ