للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْقَلَم (٦٨) : الْآيَات ٤٤ إِلَى ٤٥]

فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥)

الْفَاءُ لِتَفْرِيعِ الْكَلَامِ الَّذِي عَطَفَتْهُ عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ لِكَوْنِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ سَبَبًا فِي ذِكْرِ مَا بَعْدَهُ، فَبَعْدَ أَنِ اسْتُوفِيَ الْغَرَضُ مِنْ مَوْعِظَتِهِمْ وَوَعِيدِهِمْ وَتَزْيِيفِ أَوْهَامِهِمْ أَعْقَبَ بِهَذَا الْاعْتِرَاضِ تَسْلِيَةً لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ بِالْانْتِصَافِ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ وَنَصْرِهِ عَلَيْهِمْ.

وَقَوْلُهُ: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ وَنَحْوُهُ يُفِيدُ تَمْثِيلًا لِحَالِ مَفْعُولِ (ذَرْ) فِي تَعَهُّدِهِ بِأَن يَكْفِي مؤونة شَيْءٍ دُونَ اسْتِعَانَةٍ بِصَاحِبِ الْمَئُونَةِ بِحَالِ مَنْ يَرَى الْمُخَاطَبَ قَدْ شَرَعَ فِي الْانْتِصَارِ لِنَفْسِهِ وَرَأَى أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِذَلِكَ مَبْلَغَ مَفْعُولِ (ذَرْ) لِأَنَّهُ أَقْدَرُ مِنَ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ فِي الْانْتِصَافِ مِنَ الْمُعْتَدِي فَيَتَفَرَّغُ لَهُ وَلَا يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ إِعَانَةً لَهُ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ، وَلِذَلِكَ يُؤْتَى بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ التَّرْكِ وَيُؤْتَى بَعْدَهُ بِمَفْعُولٍ مَعَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ [المزمل: ١١] ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [المدثر: ١١] وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي

«الرَّوْضِ الْأُنْفِ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [المدثر: ١١] فِيهِ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ، أَيْ دَعْنِي وَإِيَّاهُ فَسَتَرَى مَا أَصْنَعُ وَهِيَ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْمُغْتَاظُ إِذَا اشْتَدَّ غَيْظُهُ وَغَضَبُهُ وَكَرِهَ أَنْ يَشْفَعَ لِمَنِ اغْتَاظَ عَلَيْهِ فَمَعْنَى الْكَلَامِ لَا شَفَاعَةَ فِي هَذَا الْكَافِرِ.

وَالْوَاوُ وَاوُ الْمَعِيَّةِ وَمَا بَعْدَهَا مَفْعُولٌ مَعَهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ عَاطِفَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ: اتْرُكْنِي مَعَهُمْ.

والْحَدِيثِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقُرْآنُ وَتَسْمِيَتُهُ حَدِيثًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا فِيهِ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ وَأَخْبَارِ الْمُغَيَّبَاتِ، وَقَدْ سُمِّيَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٨٥] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ الْآيَةَ فِي [سُورَةِ النَّجْمِ: ٥٩- ٦٠] ، وَقَوْلِهِ: أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ [٨١] .

وَاسْمُ الْإِشَارَةِ عَلَى هَذَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى مُقَدَّرٍ فِي الذِّهْنِ مِمَّا سَبَقَ نُزُولُهُ مِنَ الْقُرْآنِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْإِخْبَارَ عَنِ الْبَعْثِ وَهُوَ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ الْآيَة [الْقَلَم: ٤٢] .