للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَطَقَتْ بِهِ شَرِيعَتُهُمْ وَسَنَّتْهُ أَنْبِيَاؤُهُمْ، وَمِنْ أَعْظَمِ ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ كِتْمَانُهُمُ الشَّهَادَةَ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَحْدِهِمْ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ.

وَضَمِيرُ هُوَ فِي قَوْلِهِ هُوَ يَفْصِلُ ضَمِيرُ فَصْلٍ لِقَصْرِ الْفَصْلِ عَلَيْهِ تَعَالَى إِيمَاءً إِلَى أَنَّ مَا يُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ بَيَانِ بَعْضِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ لَيْسَ مَطْمُوعًا مِنْهُ أَنْ يَرْتَدِعُوا عَنِ اخْتِلَافِهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ وَقَطْعِ مَعْذِرَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ الْحُجَّةَ فَلَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمْ إِلَّا يَوْم الْقِيَامَة.

[٢٦]

[سُورَة السجده (٣٢) : آيَة ٢٦]

أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها [السَّجْدَة: ٢٢] ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ التَّذْكِيرُ مُتَّصِلًا كَقَوْلِهِ وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ [السَّجْدَة: ١٠] كَانَ الْهَدْيُ، أَيِ الْعِلْمُ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ بِهَذَا الِاسْتِفْهَامِ شَامِلًا لِلْهَدْيِ إِلَى دَلِيلِ الْبَعْثِ وَإِلَى دَلِيلِ الْعِقَابِ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ التَّذْكِيرِ فَأَفَادَ قَوْلُهُ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ معنين: أَحَدُهُمَا: إِهْلَاكُ أُمَمٍ كَانُوا قَبْلَهُمْ فَجَاءَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بَعْدَهُمْ، وَذَلِكَ تَمْثِيلٌ لِلْبَعْثِ وَتَقْرِيبٌ لِإِمْكَانِهِ. وَثَانِيهِمَا: إِهْلَاكُ أُمَمٍ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ فَفِيهِمْ عِبْرَةٌ لَهُمْ أَنْ يُصِيبَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ.

وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ، أَيْ هُمْ لَمْ يَهْتَدُوا بِدَلَائِلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ الَّتِي جَاءَهُمْ بِهَا الْقُرْآنُ فَأَعْرَضُوا عَنْهَا وَلَا اتَّعَظُوا بِمَصَارِعِ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا أَنْبِيَاءَهُمْ وَفِي مَهْلِكِهِمْ آيَاتٌ تَزْجُرُ أَمْثَالَهُمْ عَنِ السُّلُوكِ فِيمَا سَلَكُوهُ. فَضَمِيرُ لَهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْمُجْرِمِينَ أَوْ إِلَى مَنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ. ويَهْدِ مِنَ الْهِدَايَةِ وَهِيَ الدَّلَالَةُ وَالْإِرْشَادُ، يُقَالُ: هَدَاهُ إِلَى كَذَا.

وَضُمِّنَ فِعْلُ يَهْدِ مَعْنَى يُبَيِّنُ، فَعُدِّيَ بِاللَّامِ فَأَفَادَ هِدَايَةً وَاضِحَةً بَيِّنَةً. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ فِي سُورَةِ [الْأَعْرَافِ: ١٠٠] . وَاخْتِيرَ فِعْلُ الْهِدَايَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِإِرَادَةِ الدَّلَالَةِ الْجَامِعَةِ لِلْمُشَاهَدَةِ وَلِسَمَاعِ أَخْبَارِ تِلْكَ الْأُمَمِ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ فِي آخِرِهَا أَفَلا يَسْمَعُونَ، وَلِأَنَّ كَثْرَةَ