شَاهَدُوهُ مِنْ دَلَائِلِ رِسَالَتِهِ، وَكَمَا أُكِّدَ عِلْمُهُمْ بِ قَدْ أُكِّدَ حُصُولُ الْمَعْلُومِ بِ (أَنَّ) الْمَفْتُوحَةِ، فَحَصَلَ تَأْكِيدَانِ لِلرِّسَالِةِ. وَالْمَعْنَى: فَكَيْفَ لَا يَجْرِي أَمْرُكُمْ عَلَى وَفْقِ هَذَا الْعِلْمِ.
وَالْإِتْيَانُ بَعْدَ قَدْ بِالْمُضَارِعِ هُنَا لِلدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ عِلْمَهُمْ بِذَلِكَ مُجَدَّدٌ بِتَجَدُّدِ الْآيَاتِ وَالْوَحْيِ، وَذَلِكَ أَجْدَى بِدَوَامِ امْتِثَالِهِ لِأَنَّهُ لَوْ جِيءَ بِفِعْلِ الْمُضِيَّ لَمَّا دَلَّ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ حُصُولِ ذَلِكَ الْعِلْمِ فِيمَا مَضَى. وَلَعَلَّهُ قَدْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُبْطِلُهُ، وَهَذَا كَالْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ:
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [١٨] .
وَالزَّيْغُ: الْمَيْلُ عَنِ الْحَقِّ، أَيْ لَمَّا خَالَفُوا مَا أَمَرَهُمْ رَسُولُهُمْ جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغًا، أَيْ تَمَكَّنَ الزَّيْغُ مِنْ نُفُوسِهِمْ فَلَمْ يَنْفَكُّوا عَنِ الضَّلَالِ.
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ تَذْيِيلٌ، أَيْ وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي النَّاسِ فَكَانَ قَوْمُ مُوسَى الَّذِينَ آذَوْهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعُمُومِ.
وَذُكِرَ وَصْفُ الْفاسِقِينَ جَارِيًا عَلَى لَفْظِ الْقَوْمَ لِلْإِيمَاءِ إِلَى الْفُسُوقِ الَّذِي دَخَلَ فِي مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ. كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي الْبَقَرَةِ [١٦٤] .
فَالْمَعْنَى: الَّذِينَ كَانَ الْفُسُوقُ عَنِ الْحَقِّ سَجِيَّةً لَهُمْ لَا يَلْطُفُ اللَّهُ بِهِمْ وَلَا يَعْتَنِي بِهِمْ عِنَايَةً خَاصَّةً تَسُوقُهُمْ إِلَى الْهُدَى، وَإِنَّمَا هُوَ طَوْعُ الْأَسْبَاب والمناسبات.
[٦]
[سُورَة الصَّفّ (٦١) : آيَة ٦]
وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ [الصَّفّ: ٥] فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي مَوْقِعِ الَّتِي قَبْلَهَا فَمَوْقِعُ هَذِهِ مُسَاوٍ لَهُ.
وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ فَإِنَّ هَذِهِ مَسُوقَةٌ مَسَاقَ التَّتْمِيمِ لِقِصَّةِ مُوسَى بِذِكْرِ مِثَالٍ آخَرٍ لِقَوْمٍ حَادُوا عَنْ طَاعَةِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ إِفَادَةِ