للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: ٥٢] فَهِيَ الْهِدَايَةُ بِالدَّعْوَةِ وَالْإِرْشَادِ فَاخْتَلَفَ الْإِطْلَاقَانِ.

وَمَفْعُولُ فِعْلِ الْمَشِيئَةِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ، أَيْ مَنْ يَشَاءُ اهْتِدَاءَهُ، وَالْمَشِيئَةُ تُعْرَفُ بِحُصُولِ الِاهْتِدَاءِ وَتَتَوَقَّفُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِهِ وَتَقْدِيرِهِ.

وَفِي قَوْلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ إِيمَاءٌ إِلَى ذَلِكَ، أَيْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ بِالْمُهْتَدِينَ فِي أَحْوَالِهِمْ وَمَقَادِيرِ اسْتِعْدَادِهِمْ عَلَى حَسَبِ مَا تَهَيَّأَتْ إِلَيْهِ فِطَرُهُمْ مِنْ صَحِيحِ النَّظَرِ وَقَبُولِ الْخَيْرِ وَاتِّقَاءِ الْعَاقِبَةِ وَالِانْفِعَالِ لِمَا يُلْقَى إِلَيْهَا مِنَ الدَّعْوَةِ وَدَلَائِلِهَا. وَلِكُلِّ ذَلِكَ حَالٌ وَمَدًى وَلِكِلَيْهِمَا أَسْبَابٌ تَكْوِينِيَّةٌ فِي الشَّخْصِ وَأَسْلَافِهِ وَأَسْبَابُ نَمَائِهِ أَوْ ضَعْفِهِ مِنَ الْكِيَانِ وَالْوَسَطِ وَالْعصر والتعقل.

[٥٧]

[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ٥٧]

وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧)

هَذِهِ بَعْضُ مَعَاذِيرِهِمْ قَالَهَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِمَّنْ غَلَبَهُ الْحَيَاءُ عَلَى أَنْ يُكَابِرَ وَيُجَاهِرَ بِالتَّكْذِيبِ، وَغَلَبَهُ إِلْفُ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ حَالِ الْكُفْرِ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ، فَاعْتَذَرُوا بِهَذِهِ

الْمَعْذِرَةِ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَنَاسًا مِنْ قُرَيْشٍ جَاءُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْحَارِثُ «إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَكَ حَقٌّ وَلَكِنَّا نَخَافُ إِنِ اتَّبَعْنَا الْهُدَى مَعَكَ وَنُؤْمِنْ بِكَ أَنْ يَتَخَطَّفَنَا الْعَرَبُ مِنْ أَرْضِنَا وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ وَإِنَّمَا نَحْنُ أَكَلَةٌ رَأَسٍ» (أَيْ أَنَّ جَمْعَنَا يُشْبِعُهُ الرَّأْسُ الْوَاحِدُ مِنَ الْإِبِلِ وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ كِنَايَةٌ عَنِ الْقِلَّةِ) فَهَؤُلَاءِ اعْتَرَفُوا فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ بِأَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو إِلَى الْهُدَى.

وَالتَّخَطُّفُ: مُبَالَغَةٌ فِي الْخَطْفِ، وَهُوَ انْتِزَاعُ شَيْءٍ بِسُرْعَةٍ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [٢٦] . وَالْمُرَادُ: يَأْسِرُنَا الْأَعْدَاءُ مَعَهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ قُرَيْشًا مَعَ قِلَّتِهِمْ عَدًّا وَعُدَّةً أَتَاحَ اللَّهُ لَهُمْ بَلَدًا هُوَ حَرَمٌ آمِنٌ يَكُونُونَ فِيهِ آمَنِينَ مِنَ الْعَدُوِّ عَلَى كَثْرَةِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَاشْتِغَالِهِمْ بِالْغَارَةِ عَلَى