للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جِيرَتِهِمْ وَجَبَى إِلَيْهِمْ ثَمَرَاتٍ كَثِيرَةً قُرُونًا طَوِيلَةً، فَلَوِ اعْتَبَرُوا لَعَلِمُوا أَنَّ لَهُمْ مَنَعَةً رَبَّانِيَّةً وَأَنَّ اللَّهَ الَّذِي أَمَّنَهُمْ فِي الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ يُؤَمِّنُهُمْ إِنِ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.

وَالتَّمْكِينُ: الْجَعْلُ فِي مَكَانٍ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٦] ، وَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ [٦] وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ. وَاسْتُعْمِلَ هُنَا مَجَازًا فِي الْإِعْدَادِ وَالتَّيْسِيرِ.

وَالْجَبْيُ: الْجَمْعُ وَالْجَلْبُ وَمِنْهُ جِبَايَةُ الْخَرَاجِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ لَمْ يُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا. وَوَجْهُ الْإِنْكَارِ أَنَّهُمْ نَزَلُوا مَنْزِلَةَ مَنْ يَنْفِي أَنَّ ذَلِكَ الْحَرَمَ مِنْ تَمْكِينِ اللَّهِ فَاسْتَفْهَمُوا عَلَى هَذَا النَّفْيِ اسْتِفْهَامَ إِنْكَارٍ.

وَهَذَا الْإِنْكَارُ يَقْتَضِي تَوْبِيخًا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي نَزَلُوا لِأَجْلِهَا مَنْزِلَةَ مَنْ يَنْفِي أَنَّ اللَّهَ مَكَّنَ لَهُمْ حَرَمًا.

وَالْوَاوُ عَطَفَتْ جُمْلَةَ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى جُمْلَةِ وَقالُوا. وَالتَّقْدِيرُ: وَنَحْنُ مَكَّنَّا لَهُمْ حَرَمًا.

وكُلِّ شَيْءٍ عَامٌّ فِي كُلِّ ذِي ثَمَرَةٍ وَهُوَ عُمُومٌ عُرْفِيٌّ، أَيْ ثَمَرِ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُثْمِرَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي بِلَادِهِمْ وَالْمُجَاوِرَةِ لَهُمْ أَوِ اسْتُعْمِلَ كُلِّ فِي مَعْنَى الْكَثْرَةِ.

ورِزْقاً حَالٌ مِنْ ثَمَراتُ وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ.

وَمَعْنَى مِنْ لَدُنَّا مِنْ عِنْدِنَا، وَالْعِنْدِيَّةُ مَجَازٌ فِي التَّكْرِيمِ وَالْبَرَكَةِ، أَيْ رِزْقًا قَدَّرْنَاهُ

لَهُمْ إِكْرَامًا فَكَأَنَّهُ رِزْقٌ خَاصٌّ مِنْ مَكَانٍ شَدِيدِ الِاخْتِصَاصِ بِاللَّهِ تَعَالَى.

وَقَدْ حَصَلَ فِي خِلَالِ الرَّدِّ لِقَوْلِهِمْ إِدْمَاجٌ لِلِامْتِنَانِ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ لِيَحْصُلَ لَهُمْ وَازِعَانِ عَن الْكفْر بالمنعم: وَازِعُ إِبْطَالِ مَعْذِرَتِهِمْ عَنِ الْكُفْرِ، وَوَازِعُ التَّذْكِيرِ بِنِعْمَةِ الْمَكْفُورِ بِهِ.

وَمَوْقِعُ الِاسْتِدْرَاكِ فِي قَوْلِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَلَامِ الْمَسُوقِ مَسَاقَ الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِمْ إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا إِذِ التَّقْدِيرُ: أَنَّ تِلْكَ نِعْمَةٌ رَبَّانِيَّةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَفَطَّنُوا إِلَى