نِظَامِ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا كَانَ حَالُ الْإِشْرَاكِ فِي الْعَرَبِ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا لِأَنَّ اللَّهَ مِنْ جُمْلَةِ مَعْبُودِيهِمْ، أَيْ إِلَّا الرَّبَّ الَّذِي خَلَقَ الْعَوَالِمَ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ أَصْنَامِ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ. وَانْظُرْ مَا يَأْتِي فِي سُورَة العنكبوت.
[٧٨- ٨٢]
[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : الْآيَات ٧٨ إِلَى ٨٢]
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)
الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَوْصُولَ فِي مَوْضِعِ نَعْتٍ لِ رَبَّ الْعالَمِينَ [الشُّعَرَاء: ٧٧] وَأَنَّ فَهُوَ يَهْدِينِ عَطْفٌ عَلَى الصِّلَةِ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ هُوَ الْخَالِقُ فَهُوَ الْأَوْلَى بِتَدْبِيرِ مَخْلُوقَاتِهِ دُونَ أَنْ يَتَوَلَّاهَا غَيْرُهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُولُ مُبْتَدَأً مُسْتَأْنَفًا بِهِ وَيَكُونَ فَهُوَ يَهْدِينِ خَبَرًا عَنْ الَّذِي. وَزِيدَتِ الْفَاءُ فِي الْخَبَرِ لِمُشَابَهَةِ الْمَوْصُولِ لِلشَّرْطِ. وَعَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ فَفِي الْمَوْصُولِيَّةِ إِيمَاءٌ إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ وَهُوَ الِاسْتِدْرَاكُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ [الشُّعَرَاء: ٧٧] ، أَيْ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي أُخْلِصُ لَهُ لِأَنَّهُ خَلَقَنِي كَقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الْأَنْعَام: ٧٩] .
وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْلِهِ: فَهُوَ يَهْدِينِ دُونَ أَنْ يَقُولَ:
فَيَهْدِينِ، لِتَخْصِيصِهِ بِأَنَّهُ مُتَوَلِّي الْهِدَايَةِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَقَامَ لِإِبْطَالِ اعْتِقَادِهِمْ تَصَرُّفَ أَصْنَامَهُمْ بِالْقَصْرِ الْإِضَافِيِّ، وَهُوَ قَصْرُ قَلْبٍ. وَلَيْسَ الضَّمِيرُ ضَمِيرَ فَصْلٍ لِأَنَّ ضَمِيرَ الْفَصْلِ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْعَاطِفِ.
وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: يَهْدِينِ لِأَنَّ الْهِدَايَةَ مُتَجَدِّدَةٌ لَهُ. وَجُعِلَ فِعْلُ الْهِدَايَةِ مُفَرَّعًا بِالْفَاءِ عَلَى فِعْلِ الْخَلْقِ لِأَنَّهُ مُعَاقِبٌ لَهُ لِأَنَّ الْهِدَايَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ مُقْتَضَى الْخَلْقِ لِأَنَّهَا نَاشِئَةٌ عَنْ خَلْقِ الْعَقْلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه:
٥٠] . وَالْمُرَادُ بِالْهِدَايَةِ الدَّلَالَةُ عَلَى طُرُقِ الْعِلْمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [الْبَلَد: ١٠] فَيَكُونُ الْمَعْنَى: الَّذِي خَلَقَنِي جَسَدًا وَعَقْلًا. وَمِنَ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورَةِ دَفْعُ وَسَاوِسِ الْبَاطِلِ عَنِ الْعَقْلِ حَتَّى يَكُونَ إِعْمَالُ النَّظَرِ مَعْصُومًا مِنَ الْخَطَأِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute