للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة العلق (٩٦) : الْآيَات ١٧ إِلَى ١٩]

فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاَّ لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)

فَلْيَدْعُ نادِيَهُ ١٧ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ ١٨ كَلَّا تَفْرِيعٌ عَلَى الْوَعْدِ. وَمُنَاسَبَةُ ذَلِكَ مَا

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ فَمَرَّ بِهِ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا، وَتَوَعَّدَهُ، فَأَغْلَظَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مُحَمَّدُ بِأَيِّ شَيْءٍ تُهَدِّدُنِي؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَكْثَرُ أَهْلِ هَذَا الْوَادِي نَادِيًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ

يَعْنِي أَنَّ أَبَا جَهْلٍ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ تَهْدِيدَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ يُغْرِي عَلَيْهِ أَهْلَ نَادِيهِ.

وَالنَّادِي: اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْقَوْمُ. يُقَالُ: نَدَا الْقَوْم ندوا، إِذْ اجْتَمَعُوا.

وَالنَّدْوَةُ (بِفَتْحِ النُّونِ) الْجَمَاعَةُ، وَيُقَالُ: نَادٍ وَنَدِيٌّ، وَلَا يُطْلِقُ هَذَا الِاسْمُ عَلَى الْمَكَانِ إِلَّا إِذَا كَانَ الْقَوْمُ مُجْتَمِعِينَ فِيهِ فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَنْهُ فَلَيْسَ بِنَادٍ، وَيُقَالُ النَّادِي لِمَجْلِسِ الْقَوْمِ نَهَارًا، فَأَمَّا مَجْلِسُهُمْ فِي اللَّيْلِ فَيُسَمَّى الْمُسَامَرَ قَالَ تَعَالَى: سامِراً تَهْجُرُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٦٧] .

وَاتَّخَذَ قُصَيٌّ لِنَدْوَةِ قُرَيْشٍ دَارًا تُسَمَّى دَارَ النَّدْوَةِ حَوْلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَجَعَلَهَا لِتَشَاوُرِهِمْ وَمُهِمَّاتِهِمْ وَفِيهَا يُعْقَدُ عَلَى الْأزْوَاج، وفيهَا تدرّع الْجَوَارِي، أَي يلبسونهن الدُّرُوعَ، أَيِ الْأَقْمِصَةَ إِعْلَانًا بِأَنَّهُنَّ قَارَبْنَ سِنَّ الْبُلُوغِ، وَهَذِهِ الدَّارُ كَانَتِ اشْتَرَتْهَا الْخَيْزُرَانُ زَوْجَةُ الْمَنْصُورِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَدْخَلَتْهَا فِي سَاحَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأُدْخِلَ بَعْضُهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي زِيَادَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَبَعْضُهَا فِي زِيَادَةِ أَبِي جَعْفَر الْمَنْصُور، فَبَقيت بَقِيَّتُهَا بَيْتًا مُسْتَقِلًّا وَنَزَلَ بِهِ الْمَهْدِيُّ سَنَةَ ١٦٠ فِي مُدَّةِ خِلَافَةِ الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ الْعَبَّاسِيِّ لَمَّا زَادَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ جُعِلَ مَكَانَ دَارِ النَّدْوَةِ مَسْجِدًا مُتَّصِلًا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ ثُمَّ هُدِمَ وَأُدْخِلَتْ مِسَاحَتُهُ فِي مِسَاحَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الزِّيَادَةِ الَّتِي زَادَهَا الْمَلِكُ سُعُودُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَلِكُ الْحِجَازِ وَنَجْدٍ سَنَةَ ١٣٧٩.

وَيُطْلَقُ النَّادِي عَلَى الَّذِينَ يَنْتَدُونَ فِيهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي جَهْلٍ: إِنِّي لَأَكْثَرُ أَهْلِ هَذَا الْوَادِي نَادِيًا، أَيْ نَاسًا يَجْلِسُونَ إِلَيَّ يُرِيدُ أَنَّهُ رَئِيسٌ يُصْمَدُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ هُنَا.