[سُورَة سبإ (٣٤) : آيَة ٤٦]
قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦)
افْتَتَحَ بِالْأَمْرِ بِالْقَوْلِ هُنَا وَفِي الْجُمَلِ الْأَرْبَعِ بَعْدَهُ لِلِاهْتِمَامِ بِمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ. وَهَذَا اسْتِئْنَافٌ لِلِانْتِقَالِ مِنْ حِكَايَةِ أَحْوَالِ كُفْرِ الْمُشْرِكِينَ وَمَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنَ النَّقْضِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالتَّسْلِيَةِ وَالتَّهْدِيدِ وَوَصْفِ صُدُودِهِمْ وَمُكَابَرَتِهِمْ إِلَى دَعْوَتِهِمْ للإنصاف فِي النّظر والتأمل فِي الْحَقَائِقِ لِيَتَّضِحَ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ فِيمَا ارْتَكَبُوهُ مِنَ الْعَسْفِ فِي تَلَقِّي دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ وَمَا أَلْصَقُوا بِهِ وَبِالدَّاعِي إِلَيْهِ، وَأَرْشَدُوا إِلَى كَيْفِيَّةِ النَّظَرِ فِي شَأْنِهِمْ وَالِاخْتِلَاءِ بِأَنْفُسِهِمْ لِمُحَاسَبَتِهَا عَلَى سُلُوكِهَا، اسْتِقْصَاءً لَهُمْ فِي الْحُجَّةِ وَإِعْذَارًا لَهُمْ فِي الْمُجَادَلَةِ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الْأَنْفَال: ٤٢] .
وَلِذَلِكَ اجْتُلِبَتْ صِيغَةُ الْحَصْرِ بِ إِنَّما، أَيْ مَا أَعِظُكُمْ إِلَّا بِوَاحِدَةٍ، طَيًّا لبساط المناظرة وإرساء عَلَى الْخُلَاصَةِ مِنَ الْمُجَادَلَاتِ الْمَاضِيَةِ، وَتَقْرِيبًا لِشُقَّةِ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ.
وَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ، أَيْ لَا بِغَيْرِهَا مِنَ الْمَوَاعِظِ الْمُفَصَّلَةِ، أَيْ إِنِ اسْتَكْثَرْتُمُ الْحُجَجَ وَضَجِرْتُمْ مِنَ الرُّدُودِ وَالْمَطَاعِنِ فَأَنَا أَخْتَصِرُ الْمُجَادَلَةَ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ كَانُوا يَتَذَمَّرُونَ مِنَ الْقُرْآنِ لِأَبِي طَالِبٍ: أَمَا يَنْتَهِي ابْن أَخِيك عَن شَتْمِ آلِهَتِنَا وَآبَائِنَا. وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الْمُنَاظِرُ وَالْجَدَلِيُّ بَعْدَ بَسْطِ الْأَدِلَّةِ فَيَقُولُ: وَالْخُلَاصَةُ أَوِ والفذلكة كَذَا.
وَقَدِ ارْتَكَبَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَةِ تَقْرِيبَ مَسَالِكِ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ بِاخْتِصَارِهِ، فَوُصِفَ بِأَنَّهُ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ لِئَلَّا يَتَجَهَّمُوا الإقبال على هَذَا النَّظَرِ الَّذِي عَقَدُوا نِيَّاتِهِمْ عَلَى رَفْضِهِ، فَأَعْلَمُوا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُكَلِّفُهُمْ جُهْدًا وَلَا يُضِيعُ عَلَيْهِمْ زَمَنًا فَلْيَتَأَمَّلُوا فِيهِ قَلِيلًا ثُمَّ يَقْضُوا قَضَاءَهُمْ، وَالْكَلَامُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ بِهِ.
وَالْوَعْظُ: كَلَامٌ فِيهِ تَحْذِيرٌ مِنْ مَكْرُوهٍ وَتَرْغِيبٌ فِي ضِدِّهِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٤٥] ، وَقَوْلُهُ: يَعِظُكُمُ اللَّهُ فِي سُورَةِ النُّورِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute