وَجُمْلَةُ: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ تَذْيِيلٌ لِلْكَلَامِ الْمُفْتَتَحِ بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ [يُونُس: ٥٧] . وَفِيهِ قَطْعٌ لِعُذْرِ الْمُشْرِكِينَ، وَتَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ بِالتَّمَرُّدِ بِأَنَّ اللَّهَ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِالرِّزْقِ وَالْمَوْعِظَةِ وَالْإِرْشَادِ فَقَابَلُوا ذَلِكَ بِالْكُفْرِ دُونَ الشُّكْرِ وَجَعَلُوا رِزْقَهُمْ أَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ فِي حِينِ قَابَلَهُ الْمُؤْمِنُونَ بِالْفَرَحِ وَالشُّكْرِ فَانْتَفَعُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
[٦١]
[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٦١]
وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١)
مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ [يُونُس: ٦٠] عَطْفَ غَرَضٍ عَلَى غَرَضٍ، لِأَنَّ فَصْلَ الْغَرَضِ الْأَوَّلِ بِالتَّذْيِيلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ قَدْ نُقِلَ إِلَى غَرَضٍ آخَرَ، وَذَلِكَ الْوَعْدُ بِالثَّوَابِ لِلرَّسُولِ عَلَى مَا هُوَ قَائِمٌ بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ أَمْرِ الله وتدبير شؤون الْمُسْلِمِينَ وَتَأْيِيدِ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَبِالثَّوَابِ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى اتِّبَاعِهِمُ الرَّسُولَ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ. وَجَاءَ هَذَا الْوَعْدُ بِطَرِيقَةِ التَّعْرِيضِ بِحُصُولِ رِضَى اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ عَمَلَهُمْ وَعَمَلَ النَّبِيءِ مَا كَانَ إِلَّا فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ
. وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ تَنْوِيهًا بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَلِيلِ أَعْمَالِهِ وَتَسْلِيَةً عَلَى مَا يُلَاقِيهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ تَكْذِيبٍ وَأَذًى، لِأَنَّ اطِّلَاعَ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ وَعِلْمَهُ بِأَنَّهُ فِي مَرْضَاتِهِ كَافٍ فِي التَّسْلِيَةِ، كَقَوْلِهِ: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطّور: ٤٨] ، وَلِذَلِكَ تَوَجَّهَ الْخِطَابُ ابْتِدَاءً إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ وَإِلَى مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَمَا الْأُولَى وَمَا الثَّانِيَةُ نَافِيَتَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute