للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالشَّأْنُ: الْعَمَلُ الْمُهِمُّ وَالْحَالُ الْمُهِمُّ. وَ (فِي) لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ الَّتِي بِمَعْنَى شِدَّةِ التَّلَبُّسِ.

وَضَمِيرُ (مِنْهُ) إِمَّا عَائِدٌ إِلَى (شَأْنٍ) ، أَيْ وَمَا تَتْلُو مِنَ الشَّأْنِ قُرْآنًا فَتَكُونُ (مِنْ) مُبَيِّنَةً لِ (مَا) الْمَوْصُولَةِ أَوْ تَكُونُ بِمَعْنَى لَامِ التَّعْلِيلِ، أَيْ تَتْلُو مِنْ أَجْلِ الشَّأْنِ قُرْآنًا. وَعطف وَما تَتْلُوا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ، فَإِنَّ التِّلَاوَة أهم شؤون الرَّسُولِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

وَإِمَّا عَائِدٌ إِلَى قُرْآنٍ، أَيْ وَمَا تَتْلُو مِنَ الْقُرْآنِ قُرْآنًا، فَتَكُونُ مِنْهُ لِلتَّبْعِيضِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى مُؤَخَّرٍ لِتَحْصِيلِ التَّشْوِيقِ إِلَيْهِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ فِي نَفْسِ السَّامِعِ. وَوَاوُ (تَتْلُو) لَامُ الْكَلِمَة، وَالْفِعْل مُحْتَمل لِضَمِيرٍ مُفْرَدٍ لِخِطَابِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَيَكُونُ الْكَلَامُ قد ابتدئ بشؤون النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي مِنْهَا مَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّهِ كَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَثُنِّيَ بِمَا هُوَ من شؤونه بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّاسِ وَهُوَ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ عَلَى النَّاسِ، وَثَلَّثَ بِمَا هُوَ من شؤون الْأُمَّةِ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ فِيهِ شَامِلًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ تَقْدِيمَ ذِكْرِ شَأْنٍ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ يُخَصِّصُ عُمُومَ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ: تَعْمَلُونَ فَلَا يَبْقَى مُرَادًا مِنْهُ إِلَّا مَا يَعْمَلُهُ بَقِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ.

وَوَقَعَ النَّفْيُ مَرَّتَيْنِ بِحَرْفِ (مَا) وَمَرَّةً أُخْرَى بِحَرْفِ (لَا) لِأَنَّ حَرْفَ (مَا) أَصْلُهُ أَنْ يُخْلِصَ الْمُضَارِعَ لِلْحَالِ، فَقَصَدَ أَوَّلًا اسْتِحْضَارَ الْحَالِ الْعَظِيمِ مِنْ شَأْنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ قِرَاءَتِهِ الْقُرْآنَ، وَلَمَّا نُفِيَ عَمَلُ الْأُمَّةِ جِيءَ بِالْحَرْفِ الَّذِي الْأَصْلُ فِيهِ تَخْلِيصُهُ الْمُضَارِعَ لِلِاسْتِقْبَالِ لِلتَّثْنِيَةِ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى اسْتِمْرَارِ ذَلِكَ فِي الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا.

وَيُعْلَمُ مِنْ قَرِينَةِ الْعُمُومِ فِي الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ بِوَاسِطَةِ النَّكِرَاتِ الثَّلَاثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِتِلْكَ الْأَفْعَالِ وَالْوَاقِعَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَنَّ مَا يَحْصُلُ فِي الْحَالِ وَمَا يَحْصُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ تِلْكَ الْأَفْعَالِ سَوَاءٌ، وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الْإِيجَازِ وَالْإِعْجَازِ. وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ صِيَغِ الْمُضَارِعِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْهَا إِلَّا كُنَّا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مَا حَصَلَ وَيَحْصُلُ وَسَيَحْصُلُ سَوَاءٌ فِي عِلْمِ