اللَّهِ تَعَالَى على طَريقَة الاحتباس كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَا كُنْتُمْ وَتَكُونُ وَهَكَذَا، إِلَّا كُنَّا وَنَكُونُ عَلَيْكُمْ شُهُودًا.
ومِنْ عَمَلٍ مَفْعُولُ تَعْمَلُونَ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ (مِنْ)
لِلتَّنْصِيصِ عَلَى التَّعْمِيمِ لِيَشْمَلَ الْعَمَلَ الْجَلِيلَ وَالْحَقِيرَ وَالْخَيْرَ وَالشَّرَّ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومِ الْأَحْوَالِ الَّتِي اقْتَضَاهَا عُمُومُ الشَّأْنِ وَعُمُومُ التِّلَاوَةِ وَعُمُومُ الْعَمَلِ، أَيْ إِلَّا فِي حَالَةِ عِلْمِنَا بِذَلِكَ، فَجُمْلَةُ كُنَّا عَلَيْكُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَوُجُودُ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ أَغْنَى عَنِ اتِّصَالِ جُمْلَةِ الْحَالِ بِحَرْفِ (قَدْ) لِأَنَّ الرَّبْطَ ظَاهِرٌ بِالِاسْتِثْنَاءِ.
وَالشُّهُودُ: جَمْعُ شَاهِدٍ. وَأُخْبِرَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ عَنِ الْوَاحِدِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى تَبَعًا لِضَمِيرِ الْجَمْعِ الْمُسْتَعْمَلِ لِلتَّعْظِيمِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ [الْأَنْبِيَاء: ١٠٤] . وَنَظِيرُهُ فِي ضَمِيرِ جَمَاعَةِ الْمُخَاطَبِينَ فِي خِطَابِ الْوَاحِدِ فِي قَوْلِ جَعْفَرِ بْنِ عُلْبَةَ الْحَارِثِيِّ:
فَلَا تَحْسَبِي أَنِّي تَخَشَّعْتُ بَعْدَكُمْ ... لِشَيْءٍ وَلَا أَنِّي مِنَ الْمَوْتِ أَفْرَقُ
وَذَلِكَ اسْتِعَارَةٌ بِتَشْبِيهِ الْوَاحِدِ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْقُوَّةِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تَخْلُو مِنْ مَزَايَا كَثِيرَةٍ مُوَزَّعَةٍ فِي أَفْرَادِهَا.
وَالشَّاهِدُ: الْحَاضِرُ، وَأُطْلِقَ عَلَى الْعَالِمِ بِطَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ وَلِذَلِكَ عُدِّيَ بِحَرْفِ (عَلَى) .
وإِذْ ظَرْفٌ، أَيْ حِين تفيضون.
وَالْإِضَافَة فِي الْعَمَلِ: الِانْدِفَاعُ فِيهِ، أَيِ الشُّرُوعُ فِي الْعَمَلِ بِقُوَّةٍ وَاهْتِمَامٍ، وَهَذِهِ الْمَادَّةُ مُؤْذِنَةٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَعْمَالُهُمْ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ وَمُصَابَرَتُهُمْ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ. وَخُصَّتْ هَذِهِ الْحَالَةُ وَهَذَا الزَّمَانُ بِالذِّكْرِ بَعْدَ تَعْمِيمِ الْأَعْمَالِ اهْتِمَامًا بِهَذَا النَّوْعِ فَهُوَ كَذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ مَا وَعَمَلٍ عَظِيمٍ تُفِيضُونَ فِيهِ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا حِينَ تَعْمَلُونَهُ وَحِينَ تُفِيضُونَ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute