للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاسْتَغْنَى هُنَا عَنْ إِعَادَة بِأَيْدٍ [الذاريات: ٤٧] لِدِلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ.

وَالْفَرْشُ: بَسْطُ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ لِلْجُلُوسِ وَالِاضْطِجَاعِ، وَفِي فَرَشْناها اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ، شَبَّهَ تَكْوِينَ اللَّهِ الْأَرْضَ عَلَى حَالَةِ الْبَسْطِ بِفَرْشِ الْبِسَاطِ وَنَحْوِهِ.

وَفِي هَذَا الْفَرْشِ دَلَالَةٌ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ إِذْ جَعَلَ الْأَرْضَ مَبْسُوطَةً لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى سَطْحِهَا أَنْوَاعَ الْحَيَوَانِ يَمْشِي عَلَيْهَا وَيَتَوَسَّدُهَا وَيَضْطَجِعُ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَتَ مُحْدَوْدِبَةً تُؤْلِمُ الْمَاشِيَ بَلْهَ الْمُتَوَسِّدُ وَالْمُضْطَجِعُ.

وَلَمَّا كَانَ فِي فَرْشِهَا إِرَادَةً جَعَلَهَا مَهْدًا لِمَنْ عَلَيْهَا مِنَ الْإِنْسَانِ أَتْبَعَ فَرَشْناها بِتَفْرِيعِ ثَنَاءِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى إِجَادَةِ تَمْهِيدِهَا تَذْكِيرًا بِعَظَمَتْهِ وَنِعْمَتِهِ، أَيْ فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ نَحْنُ.

وَصِيغَةُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: الْماهِدُونَ لِلتَّعْظِيمِ مِثْلِ ضَمِيرِ الْجَمْعِ فِي [ ... ] (١) ،

وَرُوعِيَ فِي وَصْفِ خَلْقِ الْأَرْضِ مَا يَبْدُو لِلنَّاسِ مِنْ سَطْحِهَا لِأَنَّهُ الَّذِي يَهُمُّ النَّاسَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ وَفِي الامتنان عَلَيْهِم بِمَا فِيهِ لُطْفِهِمْ وَالرِّفْقِ بِهِمْ، دُونَ تَعَرُّضٍ إِلَى تَكْوِيرِهَا إِذْ لَا يَبْلُغُونَ إِلَى إِدْرَاكِهِ، كَمَا رُوعِيَ فِي ذِكْرِ السَّمَاءِ مَا يَبْدُو مِنْ قُبَّةِ أَجْوَائِهَا دُونَ بَحْثٍ عَنْ تَرَامِي أَطْرَافِهَا وَتَعَدُّدِ عَوَالِمِهَا لِمِثْلِ ذَلِكَ. وَلِذَلِكَ أَتْبَعَ الِاعْتِرَاضَ بِالتَّذْيِيلِ بِقَوْلِهِ:

فَنِعْمَ الْماهِدُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ تَلْقِينُ النَّاسِ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ فِيمَا صَنَعَ لَهُمْ فِيهَا مِنْ مِنَّةٍ

لِيَشْكُرُوهُ بِذَلِكَ الثَّنَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الْفَاتِحَة: ٢] .

[٤٩]

[سُورَة الذاريات (٥١) : آيَة ٤٩]

وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)

لَمَّا أَشْعَرَ قَوْلُهُ: فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ [الذاريات: ٤٨] بِأَنَّ فِي ذَلِكَ نِعْمَةً عَلَى الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي عَلَى الْأَرْضِ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِصِفَةِ خَلْقِ تِلْكَ الْمَوْجُودَاتِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَلَالَةٍ عَلَى تَفَرُّدِ اللَّهِ تَعَالَى بالخلق المستلزم لِتَفَرُّدِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ فَقَالَ: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ وَالزَّوْجُ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى. وَالْمُرَادُ بِالشَّيْءِ: النَّوْعُ مِنْ جِنْسِ الْحَيَوَانِ. وَتَثْنِيَةُ زَوْجٍ هُنَا لِأَنَّهُ أُرِيدُ بِهِ مَا يُزَوَّجُ مِنْ ذِكْرٍ وَأُنْثَى.


(١) كلمة غير وَاضِحَة فِي المطبوعة.