للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالنَّظَرُ: هُنَا نَظَرُ عَيْنٍ، نُزِّلَ خَبَرُهُمْ لِوُضُوحِهِ وَالْيَقِينِ بِهِ مَنْزِلَةَ الْمُشَاهَدِ.

وَالْخطاب ب فَانْظُرْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ فَلَا يُرَادُ بِهِ مُخَاطَبٌ مُعَيَّنٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخُصَّ بِالْخِطَابِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ بِأَنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ يُوشِكُ أَنْ يُصِيبَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ نَحْوٌ مِمَّا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِي ذَلِكَ تَسْلِيَةٌ لَهُ عَلَى مَا يُلَاقِيهِ مِنْ أَذَاهُمْ وَإِظْهَارٌ لِعِنَايَةِ الله بِهِ.

[٧٤]

[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٧٤]

ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤)

ثُمَّ لِلتَّرَاخِي الرُّتَبِيِّ، لِأَنَّ بَعْثَةَ رُسُلٍ كَثِيرِينَ إِلَى أُمَمٍ تَلَقَّوْهُمْ بِمِثْلِ مَا تَلَقَّى بِهِ نُوحًا قَوْمُهُ أَعْجَبُ مِنْ شَأْنِ قَوْمِ نُوحٍ حَيْثُ تَمَالَأَتْ تِلْكَ الْأُمَمُ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْكُفْرِ.

وَلَيْسَتْ (ثُمَّ) لِإِفَادَةِ التَّرَاخِي فِي الزَّمَنِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذَلِكَ بقوله: مِنْ بَعْدِهِ.

وَقَدْ أَبْهَمَ الرُّسُلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَوَقَعَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُمْ: هُودٌ وَصَالِحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَلُوطٌ، وَشُعَيْبٌ. وَقَدْ يَكُونُ هُنَالِكَ رُسُلٌ آخَرُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النِّسَاء: ١٦٤] ، وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ هُنَا مَنْ كَانُوا قَبْلَ مُوسَى لِقَوْلِهِ:

ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى [يُونُس: ٧٥] . وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ نُوحًا أَوَّلُ الرُّسُلِ.

وَالْبَيِّنَاتُ: هِيَ الْحُجَجُ الْوَاضِحَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّدْقِ. وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، أَيْ أَظْهَرُوا لَهُمُ الْمُعْجِزَاتِ بِإِثْرِ إِرْسَالِهِمْ. وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ جَاءُوا قَوْمَهُمْ مُبَلِّغِينَ الرِّسَالَةَ مُلَابِسِينَ الْبَيِّنَاتِ.