وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي تَبَيَّنَ عَائِد إِلَى الْمَصْدَرِ الْمَأْخُوذِ مِنَ الْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ، أَيْ يَتَبَيَّنُ لَكُمْ إِهْلَاكُهُمْ أَوْ أَخْذُنَا إِيَّاهُمْ.
وَجُمْلَةُ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جملَة وَعاداً وَثَمُودَ.
وَالتَّزْيِينُ: التَّحْسِينُ. وَالْمُرَادُ: زَيَّنَ لَهُمْ أَعْمَالَهُمُ الشَّنِيعَةَ فَأَوْهَمَهُمْ بِوَسْوَسَتِهِ أَنَّهَا حَسَنَةٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٠٨] .
وَالصَّدُّ: الْمَنْعُ عَنْ عَمَلٍ. والسَّبِيلِ هُنَا: مَا يُوَصِّلُ إِلَى الْمَطْلُوبِ الْحَقِّ وَهُوَ السَّعَادَةُ الدَّائِمَةُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ بِتَسْوِيلِهِ لَهُمْ كُفْرَهُمْ قَدْ حَرَمَهُمْ مِنَ السَّعَادَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَكَأَنَّهُ مَنَعَهُمْ مِنْ سُلُوكِ طَرِيقٍ يُبَلِّغُهُمْ إِلَى الْمَقَرِّ النَّافِعِ.
وَالِاسْتِبْصَارُ: الْبَصَارَةُ بِالْأُمُورِ، وَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلتَّأْكِيدِ مِثْلَ: اسْتَجَابَ وَاسْتَمْسَكَ وَاسْتَكْبَرَ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ بَصَائِرَ، أَيْ عُقُولٍ فَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي صَدِّهِمْ عَنِ السَّبِيلِ. وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ اقْتِضَاءٌ أَنَّ ضَلَالَ عَادٍ كَانَ ضَلَالًا نَاشِئًا عَنْ فَسَادِ اعْتِقَادِهِمْ وَكُفْرِهِمُ الْمُتَأَصِّلِ فِيهِمْ وَالْمَوْرُوثِ عَنْ آبَائِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْجُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ النَّظَرَ فِي دَلَائِلِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَصدق رسلهم.
[٣٩]
[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ٣٩]
وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩)
كَمَا ضَرَبَ اللَّهُ الْمَثَلَ لِقُرَيْشٍ بِالْأُمَمِ الَّتِي كَذَّبَتْ رُسُلَهَا فَانْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهَا، كَذَلِكَ ضَرَبَ الْمَثَلَ لِصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ مِثْلَ أَبِي جَهْلٍ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأَبِي لَهَبٍ، بِصَنَادِيدِ بَعْضِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ كَانُوا سَبَبَ مُصَابِ أَنْفُسِهِمْ وَمُصَابِ قَوْمِهِمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ، إِنْذَارًا لِقُرَيْشٍ بِمَا عَسَى أَنْ يُصِيبَهُمْ مِنْ جَرَّاءِ تَغْرِيرِ قَادَتِهِمْ بِهِمْ وَإِلْقَائِهِمْ فِي خَطَرِ سُوءِ الْعَاقِبَةِ. وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ. وَتَقَدَّمَتْ قَصَصُهُمْ وَقِصَّةُ قَارُونَ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute