[سُورَة يُوسُف (١٢) : الْآيَات ١٠٥ إِلَى ١٠٦]
وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يُوسُف: ١٠٣] ، أَيْ لَيْسَ إِعْرَاضُهُمْ عَنْ آيَةِ حُصُولِ الْعِلْمِ لِلْأُمِّيِّ بِمَا فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ فَحَسْبُ بَلْ هُمْ مُعْرِضُونَ عَنْ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
وكَأَيِّنْ اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْعَدَدِ الْمُبْهَمِ يُبَيِّنُهُ تَمْيِيزٌ مَجْرُورٌ بِ مِنْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نبيء قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٤٦] .
وَالْآيَةُ: الْعَلَامَةُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الدَّالَّةُ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْإِشْرَاكِ بَعْدَهَا.
وَمَعْنَى يَمُرُّونَ عَلَيْها يَرَوْنَهَا، وَالْمُرُورُ مَجَازٌ مَكْنِيٌّ بِهِ عَنِ التَّحَقُّقِ وَالْمُشَاهَدَةِ إِذْ لَا يَصِحُّ حَمْلُ الْمُرُورِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِآيَاتِ السَّمَاوَاتِ، فَالْمُرُورُ هُنَا كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الْفرْقَان: ٧٢] .
وَضَمِيرُ يَمُرُّونَ عَائِدٌ إِلَى النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ.
وَجُمْلَةُ وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ يَمُرُّونَ أَيْ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ، وَالْمُرَادُ بِ أَكْثَرُ النَّاسِ أَهْلُ الشِّرْكِ مِنَ الْعَرَبِ.
وَهَذَا إِبْطَالٌ لِمَا يَزْعُمُونَهُ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ، وَبِأَنَّ إِيمَانَهُمْ بِاللَّهِ كَالْعَدَمِ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِوُجُودِ اللَّهِ إِلَّا فِي تَشْرِيكِهِمْ مَعَهُ غَيْرَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ عُمُومِ الْأَحْوَالِ، فَجُمْلَةُ وَهُمْ مُشْرِكُونَ حَالٌ مِنْ أَكْثَرُهُمْ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا تَشْنِيعُ حَالِهِمْ. وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ