للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (حَتَّى) غَايَةٌ لِفِعْلِ أَذِنْتَ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ فِي حَيِّزِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ كَانَ فِي حُكْمِ الْمَنْفِيِّ فَالْمَعْنَى: لَا مُقْتَضِيَ لِلْإِذْنِ لَهُمْ إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ.

وَفِي زِيَادَةِ لَكَ بَعْدَ قَوْلِهِ: يَتَبَيَّنَ زِيَادَةُ مُلَاطَفَةٍ بِأَنَّ الْعِتَابَ مَا كَانَ إِلَّا عَنْ تَفْرِيطٍ فِي شَيْءٍ يَعُودُ نَفْعُهُ إِلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ صَدَقُوا: الصَّادِقُونَ فِي إِيمَانِهِمْ، وَبِالْكَافِرِينَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا أَظْهَرُوهُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ. فَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ صدقُوا الْمُؤْمِنُونَ.

[٤٤]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٤٤]

لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤)

هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الْبَيَانِ لِجُمْلَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ [التَّوْبَة: ٤٣] . وَمَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التَّوْبَة: ٤٣] أَوْ هِيَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِمَا تُثِيرُهُ جُمْلَةُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ [التَّوْبَة: ٤٣] وَالِاعْتِبَارَاتُ مُتَقَارِبَةٌ وَمَآلُهَا وَاحِدٌ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ شَأْنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اسْتُنْفِرُوا أَنْ لَا يَسْتَأْذِنُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّخَلُّفِ

عَنِ الْجِهَادِ، فَأَمَّا أَهْلُ الْأَعْذَارِ: كَالْعُمْيِ، فَهُمْ لَا يَسْتَنْفِرُهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا الَّذِينَ تَخَلَّفُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ تَخَلَّفُوا وَلَمْ يَسْتَأْذِنُوا فِي التَّخَلُّفِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى نِيَّةِ اللِّحَاقِ بِالْجَيْشِ بَعْدَ خُرُوجِهِ.

وَالِاسْتِئْذَانُ: طَلَبُ الْإِذْنِ، أَيْ فِي إِبَاحَةِ عَمَلٍ وَتَرْكِ ضِدِّهِ، لِأَنَّ شَأْنَ الْإِبَاحَةِ أَنْ تَقْتَضِيَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ أَحَدِ أَمْرَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ.

وَالِاسْتِئْذَانُ يُعَدَّى بِ (فِي) . فَقَوْلُهُ: أَنْ يُجاهِدُوا فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِ (فِي) الْمَحْذُوفَةِ، وَحَذْفُ الْجَارِّ مَعَ أَنْ مُطَّرِدٌ شَائِعٌ.

وَلَمَّا كَانَ الِاسْتِئْذَانُ يَسْتَلْزِمُ شَيْئَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ، كَمَا قُلْنَا، جَازَ أَنْ يُقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ فِي كَذَا وَاسْتَأْذَنْتُ فِي تَرْكِ كَذَا. وَإِنَّمَا يُذْكَرُ غَالِبًا مَعَ فِعْلِ الِاسْتِئْذَانِ الْأَمْرُ الَّذِي يَرْغَبُ الْمُسْتَأْذِنُ الْإِذْنَ فِيهِ دُونَ ضِدِّهِ وَإِنْ كَانَ ذِكْرُ كِلَيْهِمَا صَحِيحًا.