غَيْرَهُ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ، فَشَابَهَ التَّسَابُقَ. وَلِتَضْمِينِ فِعْلِ اسْتَبِقُوا بِمَعْنَى خُذُوا، أَوِ ابْتَدِرُوا، عُدِّيَ الْفِعْلُ إِلَى الْخَيْراتِ بِنَفْسِهِ وَحَقُّهُ أَن يعدّى بإلى، كَقَوْلِهِ سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الْحَدِيد: ٢١] . وَقَوْلُهُ: فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ أَيْ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي قبُول الدّين.
[٤٩]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٤٩]
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩)
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَأَنِ احْكُمْ مَعْطُوفًا عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، بِأَنْ يُجْعَلَ مَعْطُوفًا عَلَى جُمْلَةِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ [الْمَائِدَة: ٤٨] ، فَيَكُونُ رُجُوعًا إِلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ لِتَأْكِيدِهِ، وَلِيُبْنَى عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ كَمَا بُنِيَ عَلَى نَظِيرِهِ قَوْلُهُ: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [الْمَائِدَة: ٤٨]
وَتَكُونُ (أَنْ) تَفْسِيرِيَّةً. وَ (أَنْ) التَّفْسِيرِيَّةُ تُفِيدُ تَقْوِيَةَ ارْتِبَاطِ التَّفْسِيرِ بِالْمُفَسَّرِ، لِأَنَّهَا يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهَا، لِصِحَّةِ أَنْ تَقُولَ: أَرْسَلْتُ إِلَيْهِ افْعَلْ كَذَا، كَمَا تَقُولُ: أَرْسَلْتُ إِلَيْهِ أَنِ افْعَلْ كَذَا. فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ إِلَى رَسُولِهِ رَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَمْرَ بِالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ بِهِ بِوَاسِطَةِ الْفَاءِ فَقَالَ: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ [الْمَائِدَة: ٤٨] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِمَا فِيهِ هُوَ مِنْ آثَارِ تَنْزِيلِهِ. وَعَطَفَ عَلَيْهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ يَأْمُرُ بِالْحُكْمِ بِمَا فِيهِ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ (أَنْ) التَّفْسِيرِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، فَتَأَكَّدَ الْغَرَضُ بِذِكْرِهِ مَرَّتَيْنِ مَعَ تَفَنُّنِ الْأُسْلُوبِ وَبَدَاعَتِهِ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِهِ. وَمِمَّا حَسَّنَ عَطْفَ التَّفْسِيرِ هُنَا طُولُ الْكَلَامِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْفِعْلِ الْمُفَسِّرِ وَبَيْنَ تَفْسِيرِهِ. وَجَعَلَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ. فَقَالَ: عُطِفَ أَنِ احْكُمْ عَلَى الْكِتابَ فِي قَوْلِهِ: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute