[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٤٠]
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠)
تَذْيِيلٌ جُعِلَ فَذْلَكَةً لِلْكَلَامِ السَّابِقِ، الْمُشْتَمِلِ عَلَى بَيَانِ ضَلَالِهِمْ فِي قَتْلِ أَوْلَادِهِمْ، وَتَحْجِيرِ بَعْضِ الْحَلَالِ عَلَى بَعْضِ مَنْ أُحِلَّ لَهُ.
وَتَحْقِيقُ الْفِعْلِ بِ قَدْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ خُسْرَانَهُمْ أَمْرٌ ثَابِتٌ، فَيُفِيدُ التَّحْقِيقُ التَّعْجِيبَ مِنْهُمْ كَيْفَ عَمُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ خُسْرَانِهِمْ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعَلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ- إِلَى- وَما كانُوا مُهْتَدِينَ. أَيْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً [الْأَنْعَام: ١٣٦] وَجَعَلَهَا فَوْقَ والثّلاثين وَمِائَةٍ تَقْرِيبًا، وَهِيَ فِي الْعَدِّ السَّادِسَةُ وَالثَلَاثُونَ وَمِائَةٌ.
وَوَصَفَ فِعْلَهُمْ بِالْخُسْرَانِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْخُسْرَانِ نُقْصَانُ مَالِ التَّاجِرِ، وَالتَّاجِرُ قَاصِدُ الرِّبْحِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ، فَإِذَا خَسِرَ فَقَدْ بَاءَ بِعَكْسِ مَا عَمِلَ لِأَجْلِهِ (وَلِذَلِكَ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ اسْتِعَارَةُ الْخُسْرَانِ لِعَمَلِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ طَلَبًا لِمَرْضَاةِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ فَيَقَعُونَ فِي غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، لِأَنَّهُمْ أَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ فَحَصَّلُوا عَكْسَ مَا تَعِبُوا لِأَجْلِهِ) ذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ قَدْ طَلَبُوا نَفْعَ أَنْفُسِهِمْ بِالتَّخَلُّصِ مِنْ أَضْرَارٍ فِي الدُّنْيَا مُحْتَمَلٍ لَحَاقُهَا بِهِمْ مِنْ جَرَّاءِ بَنَاتِهِمْ، فَوَقَعُوا فِي أَضْرَارٍ مُحَقَّقَةٍ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّ النَّسْلَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ يَأْنَسُونَ بِهِ وَيَجِدُونَهُ لِكِفَايَةِ مُهِمَّاتِهِمْ، وَنِعْمَةٌ عَلَى الْقَبِيلَةِ تَكْثُرُ وَتَعْتَزُّ، وَعَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ بِكَثْرَةِ مَنْ يُعَمِّرُهُ وَبِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ مِنْ مَوَاهِبِ النَّسْلِ وَصَنَائِعِهِ، وَنِعْمَةٌ عَلَى النَّسْلِ نَفْسِهِ بِمَا يَنَالُهُ مِنْ نَعِيمِ الْحَيَاةِ وَمَلَذَّاتِهَا. وَلِتِلْكَ الْفَوَائِدِ اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ إِيجَادَ نِظَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute